في بادرة تعكس تنامي الإعجاب الأوروبي بجمالية الفنادق المغربية التقليدية، خصصت صحيفة “البايس” الإسبانية واسعة الانتشار، تقريرا مطولا للترويج لتجربة الإقامة في عدد من الرياضات والفنادق البوتيكية بمدينة مراكش، معتبرة إياها “ملاذات سحرية” تجمع بين الرفاهية والأصالة.
وجاء المقال المنشور تحت عنوان “عِش السحر في أفضل فنادق مراكش” بملحق “سفر”، حيث قادت الصحيفة القارئ في جولة افتراضية بين جدران ستة رياضات راقية تحتضنها المدينة الحمراء، تتصدرها “لا سلطانة”، و”رياض لي نوي دو مراكش”، و”دار كاندي”، و”رياض سافرون إي كانيل”، و”رياض كبور وشو”، و”رياض سبايس”، مؤكدة أن هذه الفضاءات لا تقدم مجرد خدمات فندقية، بل تُشكل تجربة ثقافية حسية تعيد وصل الزائر بجذور الضيافة الشرقية في أجمل تجلياتها.
ووصفت الصفة مراكش بأنها “مدينة تتجاوز المألوف”، مشيرة إلى أن الإقامة في أحد هذه الرياضات تمثل انغماساً في فضاءات تحاكي قصور ألف ليلة وليلة، بفضل ما تزخر به من حدائق داخلية، نوافير مرمرية، أسقف منقوشة بدقة، وألوان دافئة تعكس روح المدينة وتاريخها العريق. كما أشادت بتفاصيل الخدمة الشخصية، وطقوس العناية بالضيف التي تعود إلى تقاليد راسخة في الثقافة المغربية.
ولم تأت هذه التغطية الإعلامية في فراغ، بل تزامنت مع أداء استثنائي يسجله القطاع السياحي في المغرب. حيث تشير بيانات وزارة السياحة أن عدد الوافدين بلغ 17.4 مليون سائح خلال عام 2024، محققاً نمواً بنسبة 20 في المئة مقارنة بعام 2023، وهو رقم غير مسبوق يُسجل لأول مرة في تاريخ المملكة، متجاوزا أهداف “رؤية 2026” قبل عامين من الموعد المحدد.
ومع مستهل عام 2025، واصل المؤشر منحاه التصاعدي، حيث استقبل المغرب 1.2 مليون سائح خلال شهر يناير (+27%)، وتجاوز عدد الزوار 2.7 مليون خلال فبراير (+24%) مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، وفق معطيات رسمية صادرة عن المكتب الوطني المغربي للسياحة.
وتُعزى هذه النتائج إلى جملة من العوامل، من أبرزها فتح خطوط جوية جديدة مع أوروبا وأمريكا، وتحسين جودة الخدمات، وتوسيع العرض الفندقي، فضلا عن حملات الترويج الرقمي المكثفة التي استهدفت أسواقا نوعية مثل إسبانيا، فرنسا، ألمانيا، والولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يُعد مقال “البايس” بمثابة إشادة غير مباشرة بتجربة المغرب في مجال تطوير السياحة الراقية، التي تقوم على الجمع بين الجودة والأصالة، وتستهدف فئات من الزوار الباحثين عن الهدوء، التميز، والتجربة الثقافية.
ويمثل هذا النوع من السياحة قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، سواء من حيث رفع متوسط الإنفاق الفردي للسائح، أو من حيث خلق مناصب شغل ذات مهارات متقدمة في قطاعي الفندقة والصناعة التقليدية.
وتولي المملكة اهتماما خاصا بهذا المسار، خاصة في أفق تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، وهو ما يفسر قرار الحكومة بمضاعفة الطاقة الاستيعابية للمطارات من 38 إلى 80 مليون مسافر في أفق ذات الموعد، وتعزيز الربط الجوي مع العواصم الأوروبية الرئيسية، بما فيها مدريد وبرشلونة.
أما على المستوى الثقافي، فتُعد مثل هذه المقالات منابر تأثير ناعم تسهم في ترسيخ صورة المغرب كوجهة سياحية مستقرة وآمنة ومتعددة الأبعاد، خصوصا حين تصدر عن منابر مرموقة مثل “الباييس” التي يتجاوز عدد متابعي نسختها الرقمية 400 مليون زيارة سنوياً، ويُنظر إليها كمرجع أول لدى شرائح واسعة من السياح الإسبان والناطقين بالإسبانية في أمريكا اللاتينية.
وفي ظل هذه المؤشرات، يُنتظر أن تشكل مدينة مراكش أحد أبرز محركات السياحة المغربية خلال السنوات القادمة، ليس فقط بفضل تراثها العمراني وطقسها المعتدل، بل أيضا لما تملكه من قدرة على التجدد واحتضان أنماط إقامة سياحية تتماشى مع التحولات العالمية في تفضيلات الزوار.
وإذا كان الإعلام الإسباني، الذي طالما ركز على الجوانب السياسية والاقتصادية في علاقته بالمغرب، يختار اليوم أن يكتب عن مراكش بلغته الجمالية، فذلك لا يعكس فقط تحوّلا في الصورة، بل يعكس قبل ذلك حقيقة ماثلة: أن السياحة في المغرب لم تعد مجرّد قطاع اقتصادي، بل مشروع وطني يرتكز على التميز الثقافي والانفتاح الذكي على العالم.