يواصل الجيش المغربي انفتاحه على التجارب الدولية في مجالات التكوين العسكري، من خلال مشاركة مجموعة من تلاميذ الضباط المغاربة في النسخة الثانية عشرة من “أسبوع طلبة الجيوش الدولي”، الذي تحتضنه جامعة الهندسة التابعة للجيش الشعبي الصيني بمدينة نانجينغ شرق الصين.
ويشارك في هذا الحدث طلبة من أكاديميات عسكرية في دول متعددة من بينها صربيا والبرازيل وباكستان وكوريا الجنوبية وفيتنام، إضافة إلى ممثلين عن ثماني أكاديميات صينية.
وحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الصينية، فإن هذه الدورة تنعقد تحت شعار “تأثير قوات المجال الجديد ذات القدرات القتالية الجديدة على الحرب المستقبلية”، وتتضمن تدريبات ميدانية وأنشطة تبادل علمي وثقافي بين المشاركين، إلى جانب نقاشات حول تأثير التطور التكنولوجي في طبيعة الحروب المقبلة.
كما يتناول الحدث محاور متعلقة بتأثير المعدات غير المأهولة على ميادين القتال الحديثة، وحدود استخدام الذكاء الاصطناعي في التدريب العسكري، فضلا عن تبادل الخبرات بشأن آخر المستجدات في تقنيات الدفاع المتقدمة.
وأوضح المصدر ذاته أن أسبوع طلبة الجيوش الدولي، المنظم منذ عام 2005، تحول إلى منصة رئيسية لتبادل الأفكار والتجارب بين الأكاديميات العسكرية من مختلف دول العالم، وساهم في توسيع التعاون الدولي وتعزيز الروابط الودية بين الجيوش.
وتضمنت فعاليات هذا الأسبوع ورشات عملية لتجريب برامج تدريبية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتجارب ميدانية في تفكيك الألغام والتعامل مع الأنظمة غير المأهولة، إضافة إلى محاضرات متخصصة حول مستقبل الصراعات المسلحة والتغيرات في أنماط الحروب.
يرى الخبير في الشؤون العسكرية عبد الرحمان مكاوي أن مشاركة الطلبة العسكريين المغاربة في هذا الأسبوع الدولي خطوة استراتيجية تسمح لهم بالاطلاع على أحدث الأسلحة والتقنيات التي قد تحدد ملامح الحروب المستقبلية، خاصة في مجالات الفضاء والذكاء الاصطناعي.
وأوضح مكاوي أن هذه المشاركة تعكس سياسة الانفتاح التي تنتهجها المؤسسة العسكرية المغربية على التجارب الدولية، خصوصا الآسيوية منها، مضيفا أن المغرب يسعى إلى تطوير كفاءاته البشرية في مجال استعمال الأسلحة الحديثة وغير التقليدية، من خلال تعزيز التكوين والانخراط في المبادرات المشتركة.
وأشار الخبير ذاته إلى أن الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، سبق أن وجه بإرسال ضباط مغاربة إلى الصين لتعلم اللغة الصينية، ليشكلوا لاحقا جسرا للتعاون بين الجيشين المغربي والصيني.
وأضاف أن هذه المشاركات تمنح المغرب موقعا متميزا كشريك موثوق ومتوازن في الساحة الدولية، خصوصا مع القوى الكبرى كالصين، التي أبدت اهتماما بالاستثمار في مجال صناعة الدفاع بالمملكة.
من جانبه أكد الباحث في الشؤون الاستراتيجية هشام معتضد أن مشاركة المغرب في هذا الأسبوع الدولي ليست مجرد حضور بروتوكولي، بل تعكس إرادة استراتيجية في تطوير التعليم العسكري على أسس علمية وتكنولوجية حديثة.
وأوضح معتضد أن اختيار الصين لاحتضان هذه الفعالية يحمل دلالات رمزية، إذ يجسد عمق الشراكة بين البلدين في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، مشيرا إلى أن المغرب يسعى من خلال ذلك إلى تنويع شركائه الدفاعيين والاستفادة من التجارب الشرقية في مجالات الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي العسكري.
وأضاف الباحث أن الأنشطة المبرمجة خلال هذا الأسبوع، التي تركز على التكنولوجيا العسكرية والأنظمة الذكية، تؤكد أن الفكر العسكري العالمي يتجه نحو نموذج جديد من الحروب يعتمد على المعرفة والتفوق التقني، وهو توجه ينسجم مع أولويات المغرب في تحديث منظومته الدفاعية وتطوير جيشه وفق مقاربة رقمية متقدمة.
وختم معتضد بأن هذه المشاركات تعزز ما يمكن وصفه بـ”الدبلوماسية العسكرية الأكاديمية”، التي تمثل أحد أدوات السياسة الدفاعية للمغرب، مؤكدا أن إعداد جيل جديد من الضباط المغاربة المنفتحين على التجارب العالمية يعد خطوة أساسية لمواجهة تحديات المستقبل.

