في معاكسة صريحة كالعادة لأي تطور دبلوماسي يصب في صالح الموقف المغربي، رفضت الجزائر وجبهة البوليساريو قرار مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية، متجاهلتين الدعوة الملكية الممدودة للحوار والمصالحة.
والجمعة، صوت مجلس الأمن الدولي على القرار 2797 بأغلبية 11 صوتا، فيما امتنعت أربع دول عن التصويت هي الجزائر وروسيا والصين وباكستان.
ويجدد القرار ولاية بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) حتى 31 أكتوبر 2026، ويؤكد على مبادرة الحكم الذاتي المغربية كأساس جدي وذي مصداقية لحل النزاع الذي امتد لخمسين عاماً.
وفي تفاعل سريع مع خطاب الملك محمد السادس الذي وصف القرار بـ”الفتح المبين” ودعا فيه الجزائر للحوار وسكان مخيمات تندوف للعودة إلى الوطن، نشطت الآلة الدعائية التابعة لكل من الجزائر والبوليساريو في محاولة لتقليل أهمية التحول الدبلوماسي التاريخي الذي حققه المغرب.
رفض قاطع ومحاولة تلميع الهزيمة
وعبر ما يسمى بـ”وكالة الأنباء الصحراوية”، قالت جبهة البوليساريو إنها “لن تكون طرفا في أي عملية سياسية تهدف إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال العسكري المغربي”، في لغة تعكس تشبثا بموقف أثبتت السنوات الخمسون الماضية عدم واقعيته.
وزعمت الجبهة الانفصالية في بيانها أن القرار يحتوي على “انحراف خطير وغير مسبوق” عن معالجة القضية، رغم أن النص يعيد التأكيد على جميع القرارات السابقة لمجلس الأمن ويدعو الطرفين للمفاوضات دون شروط مسبقة.
وادعت البوليساريو أنها قدمت “مقترحا موسعا” للأمين العام للأمم المتحدة، متجاهلة أن ثلثي دول العالم أصبحت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية الحل الوحيد الواقعي للنزاع.
أما النظام الجزائري، فقد سارع إلى تقديم قراءة انتقائية للقرار الأممي في محاولة لإخفاء الهزيمة الدبلوماسية الواضحة. حيث جاء في وكالة الأنباء الرسمية أن الجزائر “تمكنت من تحويل مشروع قرار كان يهدف عمليا إلى تصفية القضية الصحراوية، إلى قرار أكثر توازناً”، في تصريحات تتجاهل حقيقة أن القرار النهائي يؤكد بوضوح على مبادرة الحكم الذاتي كأساس للحل.
وقال ممثل الجزائر في الأمم المتحدة عمار بن جامع في كلمته عقب التصويت إن “النص يعاني من شوائب ونواقص ودون مستوى التطلعات”، وإن “النص ينظم خللا في التوازن بين طرفي النزاع”، في إقرار ضمني بفشل الجهود الجزائرية في إفشال القرار.
والى جانب ما نشر في الوكالة الرسمية، فقد هرولت باقي الأذرع الإعلامية للنظام، على رأسها جريدتا الشروق والخبر، إلى محاولة تصوير ما حدث في مجلس الأمن على أنه “انتصار دبلوماسي جزائري”.
ونشرت صحيفة “الخبر” تقريرا بعنوان “الجزائر تعيد مجلس الأمن إلى جادة الشرعية الدولية”، زاعمة أن الجزائر “أفشلت مخططا مغربيا-فرنسيا-إماراتيا”، فيما ركزت “الشروق” على “التحسينات التي أدخلتها الجزائر” على النص، متجاهلة المضمون الجوهري للقرار الذي يصب في الاتجاه المغربي.
دعوة مغربية للحوار تواجه بالصمت
وكان الملك محمد السادس قد أكد في خطابه التاريخي مساء الجمعة أن المغرب “لا يعتبر هذه التحولات انتصارا، ولا يستغلها لتأجيج الصراع”، داعيا إلى “حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”.
ووجه الملك نداء صريحا لـ”إخواننا في مخيمات تندوف لاغتنام هذه الفرصة التاريخية لجمع الشمل مع أهلهم”، مؤكدا أن “جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف وبين إخوانهم داخل أرض الوطن”.
كما دعا الملك محمد السادس “الرئيس عبد المجيد تبون لحوار أخوي صادق من أجل تجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة تقوم على الثقة وروابط الأخوة وحسن الجوار”.
غير أن الجزائر لم تعلق رسميا حتى الآن على هذه الدعوة، في ظل استمرار القطيعة الدبلوماسية التي فرضتها على نفسها منذ أغسطس 2021.
ويأتي قرار مجلس الأمن في سياق دعم دولي متنامٍ لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، حيث أصبح ثلثا دول الأمم المتحدة يعتبرونها الحل الوحيد الواقعي للنزاع.
وشكر الملك في خطابه “الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة صديقنا فخامة الرئيس دونالد ترامب، الذي مكنت جهوده من فتح الطريق للوصول إلى حل نهائي”، كما شكر “فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والدول العربية والإفريقية” على دعمها.
وأعلن العاهل المغربي أن المغرب سيقوم بـ”تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي وتقديمها للأمم المتحدة لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق”، مؤكداً أن “حان وقت المغرب الموحد، من طنجة إلى لكويرة، الذي لن يتطاول أحد على حقوقه وعلى حدوده التاريخية”.

