تحظى ليلة النصف من شعبان بمكانة خاصة لدى شريحة واسعة من المغاربة، حيث تتسم الأجواء في كثير من الأحياء بطابع رمضاني مبكر، إذ يعمد العديد من المغاربة إلى صيام يومها وما قبله أو بعده، فيما تتزايد مظاهر التديّن من خلال الإقبال على المساجد والزوايا الصوفية، وسط نقاش مستمر بين الفاعلين في الحقل الديني حول مشروعية تخصيص هذه الليلة بعبادات مخصوصة.
وتشهد العديد من المدن المغربية أجواءً روحانية خلال هذه الليلة، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين لأداء النوافل وقراءة القرآن، فيما تنظم بعض الزوايا الصوفية مجالس ذكر ودروسًا وعظية، خصوصًا في المدن التي تحظى بتقاليد صوفية عريقة مثل فاس، مراكش، وشفشاون.
ويرى بعض علماء الدين أن هذه المظاهر تندرج ضمن العبادات التي يجوز القيام بها دون الاعتقاد بوجوبها.
وإلى جانب الأجواء الروحانية، يحرص كثير من المغاربة على الصيام خلال هذا اليوم، سواء بدافع التدين أو كعادة اجتماعية مترسخة، حيث يعد صيام النصف من شعبان امتدادًا لما يُعرف بـ”شعبانة”، وهي فترة يُكثر فيها الناس من الصيام استعدادًا لشهر رمضان.
وفي بعض الأحياء، تتشابه الأجواء مع أجواء رمضان، حيث تجتمع العائلات حول موائد الإفطار التي تتزين بأطباق تقليدية، أبرزها “الكسكس”، والشوربة المغربية “الحريرة”، فيما تعرف محلات بيع الحلويات التقليدية إقبالًا متزايدًا، وتفضل بعض الأسر استغلال هذه المناسبة لتنظيم لقاءات عائلية ممتدة إلى ساعات متأخرة من الليل.
ورغم انتشار هذه العادات، فإن هناك جدلًا مستمرًا بين علماء الدين المغاربة حول طبيعة هذه الليلة، حيث يرى بعض الفقهاء أن تخصيصها بعبادات معينة لا يستند إلى دليل شرعي واضح، بينما يشير آخرون إلى أن الاستفادة من فضائلها لا يتعارض مع مبادئ الشريعة.
ويستشهد البعض بكلام الإمام ابن الحاج المالكي في كتابه “المدخل”، حيث ذكر أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة يُستحب فيها الإكثار من الذكر والدعاء، بينما يحذر آخرون من بعض الممارسات التي قد تُصنف ضمن البدع.
ولا يقتصر الاحتفاء بهذه الليلة على الجانب الديني فقط، بل يمتد إلى بعض الفضاءات المجتمعية، حيث تنظم بعض الجمعيات حفلات خاصة بهذه المناسبة، تشمل فقرات دينية وثقافية، كما يُحتفى فيها بالأطفال الذين أتموا حفظ أجزاء من القرآن الكريم.
ورغم أن ليلة النصف من شعبان لا تحظى بطابع احتفالي رسمي في المغرب، إلا أنها تظل مناسبة متجذرة في وجدان العديد من المغاربة، حيث يمتزج فيها البعد الروحي بالعادات الاجتماعية، في انتظار قدوم شهر رمضان الذي تبدأ ملامحه في التبلور تدريجيًا مع اقتراب هذا الموعد السنوي.