ربطت الرسالة الملكية الموجهة إلى المجلس العلمي الأعلى بين إحياء الذكرى 1500 لميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة صريحة إلى إعادة ترتيب العلاقة بين الناس والدين، في عالم يتزايد فيه التشويش وتضيع فيه المرجعيات بين فتاوى عارضة ومفاهيم مجتزأة.
وقال الملك محمد السادس في رسالته: “يتعين على مجلسكم القيام بأنشطة علمية وإعلامية تكون في المستوى الذي يثلج صدرنا وصدر المغاربة، وهم جميعا على المحبة الأكيدة الصادقة للجناب النبوي المنيف”، مبرزا أن هذه المناسبة ليست مجرد ذكرى رمزية، بل فرصة لتجديد الإيمان بالسيرة النبوية، وإعادة توجيهها بما “يناسب العصر ويمس عقول الشباب خاصة”.
ودعا إلى تقديم مضامين دينية تعيد التوحيد إلى مركز الفهم الديني، باعتباره الأساس الأخلاقي والاجتماعي، حيث شدد على أن “الترجمة الأخلاقية للتوحيد في عصرنا هي تربية الأجيال على التحرر من الأنانية في حياتهم الفردية والجماعية”.
وحددت الرسالة عشرة محاور رئيسية، منها العناية بالقرآن الكريم، والتزكية، وفن السماع، والمديح النبوي، والصلاة على النبي، إلى جانب إبراز جهود الدولة العلوية في خدمة الحديث والسيرة، من خلال كتب نادرة مثل “الفتوحات الإلهية” للسلطان سيدي محمد بن عبد الله، و”الشفا” للقاضي عياض.
كما أوصى الملك بأن تمتد أنشطة الإحياء إلى مغاربة المهجر والعلماء الأفارقة، انطلاقا من “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”، بما يعكس البعد الكوني للرسالة المحمدية، والدور الذي تضطلع به المملكة في ترسيخ الإسلام المعتدل على الصعيد الإفريقي والدولي.
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الفكر الإسلامي وحوار الأديان، الأستاذ حمزة الحساني، أن المناسبة تمثل منعطفا محوريا في استعادة المعنى النبوي.
وأشار الحساني في تصريحات لجريدة “وطن 24” الإلكترونية، إلى أن “مولد سيدنا وجدنا رسول الله لهذه السنة، هو مولد استثنائي، إذ به يتم الله 15 قرنا من النور والسرور، وجمال الحضور”، واصفا الرسالة الملكية بأنها “وثيقة محمدية بامتياز، مأذونة وفي وقتها المناسب، نسأل الله أن يجدد بها ما فات ويحيي بها ما مات”.
ويقرأ الحساني التوجيه الملكي على أنه فتح لمسار جديد في التعامل مع السيرة النبوية، يقوم على تجاوز الطقوس اللفظية نحو تفعيل المعاني الجوهرية، داعيا إلى الاستثمار في هذه المناسبة من خلال وسائط بصرية حديثة، وخطاب موجه يراعي طبيعة التحولات. وقال في هذا السياق: “المحمدي المرتبط بحضرة المصطفى، ابن وقته؛ يطور من آلياته وأساليبه، ويستخدمها فيما يهدف إليه، وينور بذلك غيره رحمة للعالمين”.
ويبرز الحساني دور المجالس العلمية في هذا التحول، باعتبارها فضاء لإحياء السلوك النبوي، وليس فقط منبرا لإلقاء الدروس. كما شدد على أن كثرة الصلاة على النبي في مثل هذه المناسبة ليست مظهرا شعائريا، بل “استنزال للرحمة فرادى وجماعات، ليكثر الخير والفتوح والمنوح”، مشيرا إلى أن المغرب حين يطلق ورشة بهذا المستوى، فهو “يطرح نموذجا عالميا متخلقا بأخلاق المصطفى، منفتحا على المتغيرات، متمسكا بروحه ووسائله”.
ويرى متابعون أن التوجيه الملكي يؤسس لمرحلة جديدة في تفعيل الإمامة العلمية، وتثبيت النموذج المغربي في محيط إقليمي يتزايد فيه الضجيج الديني والاضطراب المفاهيمي، حيث يعاد تعريف الدين خارج سياقه التربوي، مما يجعل استحضار السيرة النبوية مسؤولية تربوية ومجتمعية لا طقسية فقط.

