شكل تفكيك الخلية الإرهابية التي أطلقت على نفسها اسم “أسود الخلافة في المغرب الأقصى”، الأسبوع الماضي، محطة جديدة في المعركة التي تخوضها المملكة ضد التهديدات الإرهابية، في سياق إقليمي يتسم بتنامي المخاطر القادمة من منطقة الساحل الإفريقي.
وتسلط العملية التي كشف عنها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، والتي استغرقت قرابة سنة من التتبع، الضوء على الأساليب الجديدة التي تعتمدها التنظيمات المتطرفة لاختراق الأمن القومي، وعلى النهج الاستباقي الذي تتبناه الأجهزة المغربية في مواجهتها.
وإذا كان المخطط الإرهابي قد أُحبط قبل المرور إلى مرحلة التنفيذ، فإن ما كشفت عنه التحقيقات يعكس مدى تطور التهديد، سواء من حيث التخطيط العملياتي أو من حيث الإمداد اللوجستي. فقد تمكنت المصالح الأمنية، بفضل التنسيق الوثيق بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمكتب المركزي للأبحاث القضائية، من تحديد مخبأ للأسلحة بإقليم الراشيدية، وهو معطى غير مسبوق يكشف عن تحول نوعي في استراتيجيات “داعش” في استهداف المغرب.
ووفقا لما أعلنه مدير المكتب المركزي، الشرقاوي حبوب، اليوم الإثنين خلال ندوة صحفية بمدينة سلا، فإن العثور على هذه الترسانة، التي تضم أسلحة رشاشة ومسدسات نارية وكمية كبيرة من الذخيرة الحية، يثبت أن التنظيم الإرهابي لم يكن يراهن فقط على تنفيذ هجمات معزولة بأسلحة بيضاء أو مواد تقليدية الصنع، بل كان يخطط لهجمات ذات طبيعة أكثر تعقيدًا.
أحد الجوانب الأكثر دلالة في هذه القضية هو الدور المحوري الذي لعبه القيادي في “داعش” بالساحل، المدعو “عبد الرحمان الصحراوي”، وهو ليبي الجنسية على صلة بشبكات التهريب العابرة للحدود. فحسب نتائج التحقيق، لم يكن تمويل وتسليح أفراد الخلية ليتم دون هذا الامتداد الإقليمي الذي يستفيد من هشاشة الوضع الأمني في منطقة الساحل، حيث تتقاطع شبكات التهريب مع الحركات المتطرفة.
يعزز وجود منشورات وجرائد صادرة في مالي بمكان إخفاء الأسلحة هذه الفرضية، ما يضع القضية في سياق أوسع يتجاوز حدود المملكة نحو الامتدادات الجغرافية التي تنشط فيها الجماعات المسلحة.
وما يميز هذه العملية عن سابقاتها هو أن أفراد الخلية لم يكتفوا بالارتباط الأيديولوجي بالتنظيم الإرهابي، بل تجاوزوا مرحلة التنظير إلى مرحلة التجهيز الميداني، مع اعتماد تقنيات متقدمة، من بينها تحديد مواقع باستخدام أنظمة GPS لاستلام الأسلحة المخزنة.
وتبرز هذه المعطيات تحولًا في طرق عمل الخلايا الإرهابية، التي باتت تراهن على استغلال التضاريس الوعرة والمناطق الحدودية لتخزين العتاد العسكري بعيدًا عن أعين الأجهزة الأمنية، قبل استخدامه في عمليات محددة.
في المقابل، تعكس هذه العملية مدى نجاعة النهج الأمني المغربي الذي يقوم على الاستباق والتنسيق الاستخباراتي متعدد المستويات، وهو نهج جعل المغرب نموذجًا إقليميًا في مكافحة الإرهاب. إذ لم يقتصر الأمر على تفكيك الخلية، بل امتد إلى عمليات مسح تقني وباليستي مكّنت من تأكيد جاهزية الأسلحة للاستخدام، وكشف الأساليب التي اعتمدها التنظيم في طمس معالمها، من خلال إزالة الأرقام التسلسلية وتعديل بنيتها لتسهيل حملها وإخفائها.
وإذا كان المغرب قد نجح في إحباط هذا المخطط قبل وقوعه، فإن التحديات تبقى قائمة في ظل استمرار النشاط الإرهابي في منطقة الساحل وسعي التنظيمات المتطرفة إلى إيجاد ثغرات لاستهداف أمن واستقرار المملكة. غير أن هذه العملية، بكل أبعادها، تؤكد مرة أخرى أن المقاربة المغربية، القائمة على الاستباقية والتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية، تظل حصنًا فعالًا ضد هذه التهديدات، رغم تعقيداتها المتزايدة.