أثار تجديد ولايات أرفع الهيئات الدستورية غير المنتخبة في إسبانيا، نقاشا ساخنا بين الأحزاب السياسية المنتمية للأغلبية والمعارضة، المكلفة بتعيين أعضاء من هذه الهيئات.
ويتطلب تعيين قضاة المحكمة الدستورية، وأعضاء المجلس العام للسلطة القضائية، وهيئة الوسيط، التصويت الإيجابي لثلاثة أخماس غرفتي البرلمان، أي أغلبية مماثلة لتلك المطلوبة لإصلاح الدستور كما تنص على ذلك مادته 167.
هكذا، فإن المجموعات ذات التمثيلية البرلمانية مدعوة إلى اختيار وتكوين المرشحين، الذين يستوفون شروط الكفاءة التقنية المحددة، ويستحقون دعما مشتركا على نطاق واسع.
ومع ذلك، فقد كشف الوضع في العام 2021 عن دينامية سياسية مقلقة في إسبانيا، والتي تؤدي بفعل طبيعتها المتكررة، إلى تآكل نوعي في جودة نظام انتخاب هذه الهيئات.
وفي هذا الصدد، تكفي الإشارة إلى أن الوسيط الحالي يشغل منصبه منذ يوليوز 2017، وأن المجلس العام للقضاء يوجد كاملا في وضع مؤقت، حيث أن ولاية أعضائه العشرين انتهت في دجنبر 2018. فالقضاة الأربعة للمحكمة الدستورية المعينين من طرف مجلس النواب يوجدون في وضع مماثل لتمديد العهدة منذ نونبر 2019.
ولم يشكل عام 2021 استثناء. فالمفاوضات المتوترة بين الاشتراكيين الموجودين في الحكم والحزب الشعبي لم تسفر عن نتائج ملموسة، حيث يسعى الحزبان، اللذان انخرطا في مواجهة غير مسبوقة منذ ملتمس الرقابة الذي أسقط الحزب الشعبي من السلطة في 2018، إلى احتكار هذه المؤسسات، من خلال فرض تعيين المنتمين لهما داخل أجهزتها.
ولا تزال أشرس معركة بين الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني والحزب الشعبي هي تلك المتعلقة بتجديد المجلس العام للسلطة القضائية، الذي يكلف أعضاؤه بتعيين قضاة المحكمة العليا، ورؤساء محاكم العدل العليا، وتفتيش المحاكم، والتكوين، والتعيين، والترقية، والنظام التأديبي للقضاة بميزانية سنوية تزيد عن 70 مليون يورو.
وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه من أجل تسوية الوضع في المحكمة الدستورية ومؤسسة الوسيط، فإن الاشتراكيين والشعبيين لا زالوا ثابتين على مواقفهم في ما يتعلق بتجديد المجلس العام للسلطة القضائية.
ويصر الحزب الاشتراكي العمالي، الذي يشجب عدم وجود إرادة من جانب الحزب الشعبي للتوصل إلى اتفاقيات أساسية من أجل السير العادي لمؤسسات الدولة، على ضرورة اعتماد قانون يسمح لغرفتي البرلمان بانتخاب أعضاء المجلس بالأغلبية المطلقة في الجولة الثانية، في حالة فشل تعيين القضاة بأغلبية ثلاثة أخماس، مع اقتراح تقليص سلطة قضاة المجلس بمجرد انتهاء ولايتهم.
ويرفض الحزب الشعبي رفضا قاطعا مقترح الاشتراكيين ويؤكد أن مشروع القانون المقترح من طرف الحزب الاشتراكي العمالي “يتعارض مع الدستور، المعاهدات الأوروبية، ومع استقلال القضاء وفصل السلط”.
وحسب الحزب المعارض الرئيسي، فإن “أعضاء المجلس العام للسلطة القضائية من أصل قضائي، يجب انتخابهم من طرف جميع القضاة الذين يوجدون قيد الممارسة”، مصرا على أن هذا الانتخاب ينبغي أن يتم “عن طريق التصويت الفردي، المتساوي، المباشر والسري”.
ويتعلق الأمر بحالة من الجمود المؤسساتي المستمر، الذي يسلط الضوء على عجز الفاعلين السياسيين المسؤولين عن التوصل إلى اتفاق. وبدون إجماع بين أحزاب الأغلبية، الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني والحزب الشعبي، يصبح تجديد المؤسسات المعنية مستحيلا من الناحية الحسابية البرلمانية.