في مواجهة الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد منذ أزيد من سنة، سواء المرتبطة بتداعيات أزمة “كوفيد-19” أو الاختيارات المالية الأخيرة، وما أسفرت عنه من تدهور في قيمة الليرة وارتفاع متواصل لمعدل التضخم وأمام موجة الغلاء العالمية، جددت تركيا الدعوة إلى مواطينها من أجل إخراج مدخراتهم من الذهب المخبأ “تحت الوسائد” وضخها في الدورة الاقتصادية للبلاد.
- Advertisement -
ومعلوم أن الأتراك يدخرون أموالهم بشكل كبير في المعدن النفيس كاحتياط يلجأون إليه كلما اضطرب سوق أسعار الصرف، لكن القيمين على النظام الاقتصادي يؤكدون أن هذا الاختيار يحرم النشاط الاقتصادي من موارد مالية محلية، تقدر حسب معطيات رسمية، بنحو 5 آلاف طن وبقيمة تعادل ما بين 250 و350 مليار دولار، يمكن توظيفها في استثمارات فعالة ومنتجة داخل النظام المالي.
التدهور المتسارع وغير المسبوق لسعر الليرة مقابل الدولار وضبابية المشهد الاقتصادي، زاد من إقبال الأتراك على حيازة الذهب لتأمين مدخراتهم، ولاسيما سنتي 2020 و2021. وفي هذا السياق كشفت تقارير اقتصادية أن بعض تجار الذهب قدروا حجم مبيعاتهم سنة 2020 بـ 10 أضعاف ما كانت عليه من قبل.
- Advertisement -
وبعد الدعوات المتكررة للرئيس رجب طيب أردوغان المواطنين إلى إدخال مدخرات الذهب في النظام المالي كونه يمكنهم من تحقيق ربح خال من المخاطر، كشف وزير الخزانة والمالية نور الدين نباتي، مؤخرا عن آلية جديدة للاستفادة من مدخرات الذهب لدى المواطنين، وذلك ضمن سلسلة من الإجراءات المدرجة في النموذج الاقتصادي التركي.
وأوضح أن بلاده ستبدأ بنظام جديد لتشجيع الاستفادة من الذهب المخبأ “تحت الوسائد” لدى المواطنين، في دعم الاقتصاد الوطني، مبرزا أن الحكومة، لتفعيل هذه الآلية، ستبدأ اعتبارا من فاتح مارس المقبل، بالتعاون مع 1500 صائغ ذهب، بحيث يكون هناك مركز واحد على الأقل في كل ولاية.
- Advertisement -
وتهدف الآلية المالية الجديدة، يقول الوزير، إلى الاستفادة من المدخرات المحلية في عدة نقاط، أهمها توجيه المدخرات المحلية من الذهب المقدرة بنحو 5 آلاف طن لدعم البنك المركزي التركي في تلبية احتياجاته من النقد الأجنبي، وتحقيق موارد مالية محلية واستخدامها في استثمارات ذات مردودية بالنسبة للنظام المالي لدعم نمو البلاد.
وطمأن المواطنين ممن يكنزون الذهب بأنهم سيتمكنون من خلال الآلية الجديدة من إدخال مدخراتهم من المعدن الأصفر بشكل سهل وآمن في النظام الاقتصادي من خلال الصائغين والبنوك المتعاقدة المعنية، واستعادتها في الوقت الذي يريدونه، كما أكد أن الآلية تتيح للمواطنين حماية قيمة مدخراتهم الذهبية من خلال فتح حساب إيداع لتحويل الذهب وحساب تشاركي بالليرة التركية.
وسيتيح فتح هذه الحسابات للمواطنين في الوقت ذاته تحقيق الأرباح دون مخاطرة، كما أن المصارف التشاركية والحكومية التركية ستكون من أوائل البنوك المتعاقدة في الآلية الجديد، يقول الوزير.
وخلال السنوات العشرة الأخيرة، عملت تركيا على زيادة احتياطها من الذهب ليرتفع من 120 طنا في عام 2012، إلى 512 طن في نونبر من العام 2021.
وحسب بيانات مجلس الذهب العالمي، تحل تركيا المركز الـ 12 عالميا في قائمة أكبر البنوك المركزية حيازة للذهب، بحجم احتياطات تقدر بنحو 512 طنا، أي ما يعادل 44.8 بالمئة من إجمالي الأصول الاحتياطية لدى البنك المركزي.
ووفقا لمعطيات متوفرة على موقع وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، فإن نشاط التعدين في الذهب بدأ في عام 2001، إذ تم ضخ نحو 2,5 مليار دولار من قبل مستثمرين محليين وأجانب، مبرزة أن نشاط التعدين في مجال الذهب يوفر 6200 فرصة عمل مباشرة، ونحو 25 ألف فرصة عمل غير مباشرة.
وبلغ الإنتاج السنوي لتركيا من الذهب في عام 2019 نحو 38 طنا، حيث تتوفر على احتياطيات من الذهب تمثل نسبة 0,5 في المئة من إجمالي الاحتياطيات العالمية، كما أنها تمتلك 2 في المئة من موارد الذهب.
وبخصوص الجهود التي تبذلها تركيا لتعزيز حيازتها للمعدن النفيس، قال فاتح دونماز وزير الطاقة والموارد الطبيعية مطلع عام 2021 إن بلاده استثمرت نحو 6 ملايير دولار في التنقيب واستخراج الذهب، موضحا أن بلاده لديها 18 منجما لإنتاج الذهب، وثمة مشاريع أخرى، في طريقها للعمل بمناجم جديدة.
وسجل أن تركيا أنتجت 40 طنا من الذهب بنهاية 2020، وأنها تستهدف رفع الإنتاج إلى 100 طن، فيما بلغت واردات تركيا من الذهب في عام 2020 ما مجموعه 25,2 مليار دولار.
من جانبه، قال مدير أحد الأبناك المحلية إنه توجد كمية كبيرة من الذهب في تركيا لم يتم دمجها في النظام الاقتصاد حتى اليوم، مشددا على ضرورة أن يكون الذهب المحلي أحد ديناميات النمو في الاقتصاد التركي.
وأوضح في تصريحات لوسائل إعلام محلية عقب الكشف عن الآلية الجديدة، أن المدخرات الأجنبية تدخل الاقتصاد في فترات خاصة للاستفادة من الفائدة وسياسة لتسعير النقدي المنخفض، محققة بعض الفوائد قصيرة الأجل، لكنها تتسبب في آثار سلبية عند خروجها.
ويبقى نجاح هذه التجربة رهينا بتمكن الحكومة التركية من اكتساب ثقة فئة كبير من المواطنين، وطمأنتهم بشأن ودائعهم في الأبناك، وكون عائداتها إن لم تكن مجزية، فهي على الأقل مناسبة، تشعرهم بصواب اختيارهم.