لم تكن مشاركة المغرب في القمة العادية الثامنة والثلاثين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي مجرد حضور بروتوكولي، بل جاءت محملة برسائل واضحة حول ثوابته في السياسة الإفريقية، مع إشارات غير مباشرة لكنها دقيقة في اتجاه الجزائر.
فالموقف المغربي، الذي تم التعبير عنه خلال مداولات القمة، لم يقتصر على إعادة التأكيد على مبادئ السلم والأمن في القارة، بل حمل بين طياته تحذيرات واضحة من دعم الجماعات الانفصالية، وهو ما يضع الجزائر مرة أخرى في موقع الاتهام بسبب دعمها لجبهة البوليساريو.
إحدى الرسائل الأساسية التي وجهها المغرب تتعلق بمبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، حيث شدد الوفد المغربي على “ضرورة احترام المبادئ الأساسية لحسن الجوار والحوار وعدم التدخل”، وهي صيغة دبلوماسية تشير ضمنيا إلى رفض المملكة للسياسات الجزائرية التي تقوم على دعم الحركات الانفصالية واستضافة قياداتها وتوفير الدعم المالي والسياسي لها.
ولم يكن هذا التعبير مجرد تأكيد على موقف تقليدي، بل جاء في سياق إفريقي متغير، حيث أصبح عدد متزايد من الدول الإفريقية يعتبر دعم الحركات الانفصالية تهديدا مباشرا لاستقرار القارة.
ومن هنا، فإن الرسالة المغربية كانت موجهة ليس فقط إلى الجزائر، بل أيضاً إلى الدول الإفريقية التي قد تكون مترددة في إعادة النظر في موقفها من قضية الصحراء المغربية.
إلى جانب ذلك، كان لافتا تأكيد الوفد المغربي على أن المملكة “تدعو إلى تجنب إيواء أو تحريض الجماعات الإرهابية والانفصالية، التي تهدد استقرار المناطق الإفريقية”.
وتحمل هذه العبارة دلالات مباشرة، خاصة وأن المغرب لطالما اعتبر أن دعم الجزائر للبوليساريو لا يقتصر على البعد السياسي، بل يمتد إلى توفير فضاءات آمنة لهذه الحركة التي يرى فيها تهديدا مباشراً للأمن الإقليمي.
كما أن الربط بين الجماعات الإرهابية والانفصالية يعكس مقاربة مغربية متكاملة ترى في تحركات هذه المجموعات عاملاً لعدم الاستقرار في القارة، وهو موقف يلقى قبولا متزايداً لدى شركاء المغرب في الاتحاد الإفريقي الذين باتوا أكثر وعياً بخطورة الحركات الانفصالية في مناطق أخرى من القارة.
وفي هذا السياق، لم يكن الحديث عن “إعلان طنجة” مجرد استحضار لمبادرة مغربية، بل كان بمثابة تذكير بأن المقاربة المغربية لحل النزاعات الإفريقية، التي تقوم على “الارتباط بين السلم والأمن والتنمية”، تحظى باعتراف رسمي من الاتحاد الإفريقي منذ فبراير 2023.
وبهذا، فإن المغرب لا يكتفي بانتقاد السياسات الجزائرية، بل يعرض بديلا عملياً مدعوما بدينامية دبلوماسية مستمرة، جعلت الرباط تكسب المزيد من التأييد الإفريقي في السنوات الأخيرة.
وهذا النهج يضع الجزائر في موقف دفاعي، حيث لم تتمكن من تقديم رؤية شاملة للأمن والاستقرار في القارة، واكتفت بمحاولة استقطاب مواقف داعمة للبوليساريو دون أن يكون لها مشروع حقيقي يعزز الأمن الإقليمي.
وعلى المستوى المؤسساتي داخل الاتحاد الإفريقي، كان لافتا أن المغرب أعرب عن دعمه لخطة المشاركة في القوة الاحتياطية الإفريقية، وهو ملف استراتيجي في أجهزة الاتحاد.
ويعكس هذا الدعم سعي الرباط لتعزيز حضورها في هياكل صنع القرار القاري، في وقت تواصل الجزائر الرهان على تحالفات تقليدية أصبحت أقل تأثيرا مع تغير موازين القوى داخل المنظمة الإفريقية.
كما أن المغرب، من خلال دعمه لمفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن، بانكولي أديوي، يرسخ نفوذه في مجال إدارة النزاعات الإفريقية، وهو مجال استثمرت فيه الجزائر لسنوات لكنها فقدت الكثير من تأثيرها نتيجة التحولات الإقليمية والدولية.
بالمحصلة، فإن موقف المغرب في قمة الاتحاد الإفريقي لم يكن مجرد إعادة تأكيد لمواقفه التقليدية، بل كان بمثابة رسالة دبلوماسية واضحة للجزائر بأن رهانها على دعم الانفصال يواجه عزلة متزايدة، في وقت يواصل المغرب توسيع قاعدة دعمه داخل القارة، عبر طرح بدائل سياسية وتنموية تجد صدى متزايداً لدى الدول الإفريقية.
وبينما يراكم المغرب مكاسبه الدبلوماسية، تجد الجزائر نفسها في موقف دفاعي متزايد، حيث لم تعد ورقة البوليساريو تحظى بنفس الزخم الذي كانت عليه في العقود الماضية، خصوصاً مع تغير الأولويات الإفريقية نحو التنمية والاستقرار بدل دعم النزاعات المفتعلة.