بقلم: نادية فتح
تُوسَمُ الدولة بصفة الدولة الاجتماعية عندما تقوم بتأمين وتقديم مجموعة من الخدمات الاجتماعية في شكل مساعدات أو مد يد العون للفئات الضعيفة داخل المجتمع، بحيث تصبح الدولة مسؤولة عن حماية مواطنيها من الوقوع في براثن اقتصاد السوق ونتائج الرأسمالية المتغولة وعولمة الاقتصاد، فالدولة الاجتماعية تعمل على ضمان التوزيع العادل للموارد بين مواطنيها وذلك من خلال سن مجموعة من التشريعات لتأطير هذه التدخلات وتأسيس مجموعة من الخدمات ذات الطابع الاجتماعي التي تروم حماية الفئات الهشة في المجتمع، خاصة تلك التي لا تتوفر على نظام حماية اجتماعية من قبيل الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية والتأمين ضد الحوادث والعاطلة عن العمل والغير قادرة عليه والفئات المسنة والمتقاعدة وغيرها.
إن فكرة العدالة الاجتماعية التي أسست عليها نظرية الدولة الاجتماعية تعتبر هي الطريقة المثلى للوصول لدولة الرفاه التي يصبو إليها الجميع، فالتوسع في تقديم الخدمات ذات الطابع الاجتماعي، سواء تعلق الأمر بتقديم الخدمات الصحية وتقريبها من المواطن، وتوفير تعليم جيد لأبناء الوطن وفق معايير موحدة، والتمكين من السكن اللائق للجميع، ورعاية الأطفال في وضعية حاجة ودعم الشباب وتوفير فضاءات تؤطره، ودعم المتقاعدين والمسنين وذوي الحاجات الخاصة وغيرها تعد السبيل الأنسب لتحقيق الهدف المأمول.
وقد أسس المغرب لهذا التوجه من خلال التنصيص على مرجعيته التأسيسية في منطوق الدستور المغربي لسنة 2011، حيث تم الإعلان من خلال ديباجته عن مواصلة المملكة المغربية إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.كما نص الفصل الأول منه على كون “نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية”.
إن التزام الدولة المغربية بالتأسيس لدعائم دولة اجتماعية من خلال دستورها الأخير هو التزام بالتأسيس لدولة حاضنة للجميع من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، هو المبتغى الذي يتطلب الانطلاق من تحقيق العدالة المجالية في توزيع الموارد الوطنية من طاقات بشرية وموارد مادية وبنيات تحتية، وتعميم الاستفادة من الخدمات الأساسية وتقريبها من المواطنين، من الطرق والمواصلات، والتزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء، والخدمات الصحية من مستشفيات ومستوصفات، ومدارس وغيرها …
فتحقيق التماسك الاجتماعي وتقليص الفوارق المجالية وتعميم التنمية بشكل متساو بين مختلف الجهات والمناطق وبين جميع المواطنين تعد منطلقات هذا البناء، حيث أن المساواة في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والولوج للخدمات الأساسية والبنيات التحتية وحماية كرامة الفرد من خلال دعم حقه في الحصول على دخل قار يضمن كرامته ويقيه شر الحاجة وتحسين علاقته بوطنه تعد من بين أهم مرتكزاتها، على اعتبار أن تحقيق أهداف الدولة الاجتماعية تصب في اتجاه الانسان كفاعل ومستفيد.
غير أن التأسيس للدولة الاجتماعية لا يتطلب فقط العمل على سن تشريعات تستهدف الدعم المباشر للفئات المعوزة وتلك التي توجد في وضعية هشاشة فقط، بل دعم حماية الفئات الأخرى التي يحتمل وقوعها داخل دائرة الهشاشة الاجتماعية من خلال سن تشريعات حمائية كالتأمين ضد الحوادث والبطالة والعجز والشيخوخة والتقاعد، ويتطلب كذلك العمل كذلك على ضمان تدخل الدولة في الميكانيزمات الاقتصادية بها من خلال العمل على تحويل اقتصاد السوق إلى اقتصاد سوق اجتماعي عبر مجموعة من التدابير الهادفة إلى خلق التوازن المطلوب بين مختلف مكونات المجتمع، وحث الفعاليات الاقتصادية على الانخراط في هذه الدينامية، وحيث يكون الانسان محور تدخلات الدولة خاصة تلك المتعلقة بحماية حقوقه الأساسية واحترام كرامته، وبالتالي تحقيق البعد الاجتماعي للدولة الرامي إلى خلق البيئة المناسبة لعيش حياة سليمة يتمتع فيها كافة الافراد بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية وغيرها على حد سواء.