بدأت الحكومة السورية المؤقتة تنفيذ إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق تهدف إلى إعادة هيكلة القطاع العام وتقليل الهدر المالي بعد سنوات من الفساد والبيروقراطية.
وتشمل هذه الإصلاحات تسريح مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين، وخصخصة الشركات العامة، والتحول إلى اقتصاد السوق الحرة.
وأثارت هذه التغييرات موجة من الجدل والاحتجاجات، خاصة مع الكشف عن وجود 400 ألف “موظف شبح” كانوا يتقاضون رواتب دون أداء أي عمل خلال حكم النظام السابق.
بحسب وزير المالية في الحكومة الجديدة محمد أبازيد، أظهرت مراجعة أولية أن 900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون موظف حكومي يأتون إلى العمل فعليًا، ما يعني وجود 400 ألف موظف يتقاضون رواتب دون أداء مهام حقيقية.
وأكد أبازيد أن الحكومة تعمل على إزالة هذه الأسماء الوهمية لتوفير موارد مالية كبيرة يمكن توجيهها إلى قطاعات أكثر إنتاجية.
من جهته، أوضح وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان أن الحكومة الجديدة تسعى إلى التحول نحو اقتصاد السوق الحرة التنافسي، من خلال خصخصة الشركات الصناعية العامة، والتي يبلغ عددها 107 شركات معظمها خاسرة.
ومع ذلك، شدد على أن أصول الطاقة والنقل “الاستراتيجية” ستبقى مملوكة للدولة، دون الكشف عن أسماء الشركات التي سيتم بيعها.
إلى جانب تقليص حجم القطاع العام، تعمل الحكومة على إصلاح النظام الضريبي، وتقديم تسهيلات لجذب المستثمرين المحليين والأجانب بهدف إعادة بناء الاقتصاد المتضرر من الحرب.
وقال أبازيد إن الهدف هو جعل المصانع السورية منصات لإطلاق الصادرات العالمية، والاستفادة من تجربة إدلب التي تمكنت خلال السنوات الماضية من جذب الاستثمارات الخاصة مع تقليل التدخل الحكومي.
أثارت قرارات التسريح موجة من الغضب بين الموظفين الحكوميين، خاصة في درعا واللاذقية، حيث خرجت احتجاجات تطالب بوقف عمليات الفصل الجماعي.
وفي بعض الدوائر الحكومية، تداول الموظفون قوائم رسمية تنهي برامج توظيف العسكريين السابقين الذين خدموا مع النظام السابق، مما زاد من التوترات.
وقال أحد هؤلاء العسكريين السابقين، ويدعى محمد، إنه تم تسريحه من وظيفته في وزارة العمل في يناير ومنح إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، إلى جانب نحو 80 آخرين.
إلى جانب عمليات التسريح، تسعى الحكومة إلى رقمنة السجلات الحكومية لتقليل الفساد وتحسين الكفاءة.
وقال وزير التنمية الإدارية محمد السكاف إن الحكومة الجديدة بدأت في بناء قاعدة بيانات إلكترونية لموظفي القطاع العام، في مشروع يتوقع أن يستغرق نحو ستة أشهر.
وأشار إلى أن السجلات القديمة التي تعود إلى العصر العثماني لا تزال مخزنة في 60 غرفة مملوءة بالملفات الورقية المكدسة، ما يجعل عملية تحديثها تحديًا كبيرًا.
رغم الطموحات الاقتصادية للحكومة الجديدة، تواجه الإصلاحات عقبات كبيرة، أبرزها العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، والتي تعيق التجارة والاستثمار الأجنبي.
بينما تسعى الحكومة السورية المؤقتة إلى إحداث تغيير جذري في الاقتصاد، يبقى نجاح هذه الخطط مرهونًا بقدرتها على تحقيق التوازن بين الإصلاحات والتخفيف من آثارها الاجتماعية، وسط تحديات داخلية وخارجية معقدة.