في ظل التحولات الديموغرافية والاجتماعية التي يشهدها المغرب، يواصل التعليم العالي العمومي تسجيل أعداد متزايدة من الطلبة، غير أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2024 ينبه إلى مفارقة صارخة: الكتلة الطلابية الكبرى ما تزال تتجه نحو مؤسسات ذات استقطاب مفتوح، في وقت تلح فيه الحاجة إلى أطر علمية وتقنية في قطاعات تعتبرها الدولة ذات أولوية سيادية.
وأورد التقرير أن عدد طلبة التعليم العالي العمومي تجاوز 1.3 مليون خلال الموسم الجامعي 2023–2024، بنمو سنوي بلغ 5.3 في المائة.
ومع ذلك، فإن نسبة 87 في المائة من هذا العدد متمركزة داخل الجامعات، وخصوصا في الكليات المفتوحة، مقابل 13 في المائة فقط في مؤسسات التعليم العالي غير التابع للجامعات.
ويلاحظ أن الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح – وتشمل كليات الحقوق والآداب والعلوم – استقبلت العدد الأكبر من الطلبة، رغم أن وتيرة نموها بلغت 4 في المائة فقط هذه السنة، مقابل 8.9 في المائة سجلتها التكوينات ذات الولوج المحدود.
لكن التقرير يشير بوضوح إلى أن هذه المؤسسات “تعاني أصلا اختناقا هيكليا”، مع ما يترتب عن ذلك من صعوبات تأطير وضعف في جودة التكوين.
الضغط المتزايد، بحسب التقرير، يترجم ميدانيا إلى مدرجات مكتظة، وضعف في التتبع البيداغوجي، وتفاوتات صارخة في شروط التعلم. ولا يخفي التقرير أن هذا الوضع “يفاقم التفاوت في الولوج إلى تعليم ذي جودة”، دون أن يقدم أفقا مؤسساتيا واضحا لمعالجة هذا الاختلال البنيوي المتجدد كل موسم.
في المقابل، سجل التقرير مؤشرات إيجابية محدودة في بعض مجالات التكوين التقني، أبرزها ارتفاع نسبة التأنيث في المسالك الهندسية إلى 56 في المائة، إلى جانب توسيع عرض التكوين المهني بإنشاء 6 مؤسسات جديدة. غير أن هذا التوسع، رغم رمزيته، يبقى محدود الأثر أمام واقع الكثافة الطلابية في المسالك المفتوحة.
اللافت أن التقرير لم يخصص معطيات تفصيلية للمسالك الطبية أو الصيدلية، ولا لتكوين الأطر في قطاعي الصحة والتعليم، رغم راهنية هذا الملف في النقاش العمومي. ورغم الإقرار بالحاجة الملحة لأطر نوعية في هذين المجالين، تظل الخريطة الفعلية لتوزيع الطلبة بعيدة عن هذا الهدف، ما يطرح سؤالا ضمنيا عن فعالية منظومة التوجيه الجامعي الحالية.
وبينما يراهن الخطاب الرسمي على تجويد التكوين الجامعي وربطه بمتطلبات التنمية، تعيد الأرقام المعروضة في التقرير طرح سؤال التناسق بين هذا الطموح والبنية الواقعية التي ما تزال تنتج، موسما بعد آخر، نفس التكدس في شعب غير علمية ولا تقنية.
وتبرز معطيات التقرير أن الإقبال المرتفع على مؤسسات ذات استقطاب مفتوح، في مقابل نسب تسجيل أقل في المسالك ذات الولوج المحدود، يمثل عنصرا أساسيا في فهم الاختلالات التي تواجه المنظومة الجامعية، ويستدعي مواكبة في مستوى الحاجيات التي تطرحها تحديات التنمية.

