تحل الذكرى الثانية للهجوم الذي شنته كتائب القسام على مواقع إسرائيلية انطلاقا من غزة في السابع من أكتوبر 2023، في وقت لا يزال فيه القطاع تحت الحصار والنار، بعدما خلّف العدوان الإسرائيلي المتواصل عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف النازحين، ومشاهد دمار لم تعد تجد فيها الكاميرا مكانا للحياة.
في صباح مماثل، عبر مقاتلون من كتائب القسام حدود غزة باتجاه مستوطنات إسرائيلية في غلاف القطاع، في عملية وصفتها حماس بأنها رد على الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، والحصار الخانق، والإعدامات الميدانية في الضفة الغربية.
أما إسرائيل، فقد وصفت الهجوم بكونه “لحظة انهيار وطني”، وبدأت منذ ذلك الحين عملية عسكرية دموية أطلقت عليها اسم “السيوف الحديدية”.
وبعد مرور عامين، لا تزال الكلفة الإنسانية للحرب قائمة، بل تتفاقم. أكثر من 37 ألف فلسطيني قتلوا بحسب معطيات وزارة الصحة في غزة، من بينهم أكثر من 14 ألف طفل و9 آلاف امرأة.
في المقابل، وثقت مصادر إسرائيلية مقتل 1200 شخص في اليوم الأول للهجوم، بينهم مدنيون وجنود، مع استمرار الجدل حول ظروف مقتل بعضهم بنيران إسرائيلية خلال الاشتباكات المباشرة.
وبحسب الأمم المتحدة، تعرض أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني للنزوح القسري داخل القطاع، في ظل انعدام الأمن الغذائي وندرة الماء الصالح للشرب وانهيار النظام الصحي.
وتقول الأونروا إن 60 بالمئة من البنية التحتية المدنية في القطاع لم تعد صالحة للاستعمال، بينما تشتكي فرق الإنقاذ من غياب المعدات الأساسية لإخراج الضحايا من تحت الأنقاض.
وتتهم منظمات حقوقية إسرائيل بانتهاك القانون الدولي، من خلال استخدام القوة المفرطة، واستهداف المدارس والملاجئ والمستشفيات، وقصف قوافل الإغاثة، واستعمال المجاعة كسلاح في الحرب.
وفي يونيو الماضي، أصدرت لجنة تحقيق أممية تقريرا وصفت فيه ما جرى في غزة بأنه قد يرقى إلى “جرائم إبادة جماعية”، مطالبة بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وفي الذكرى الثانية، تحاول إسرائيل تقديم سردية قائمة على الألم والصدمة، مركزة على مشاهد القتل والاختطاف التي رافقت السابع من أكتوبر، دون التوقف عند سياق الحصار أو النظام الاحتلالي الذي يطوّق الفلسطينيين منذ عقود.
وتُنقل في وسائل إعلامها مشاهد لإحياء الذكرى في ساحات عامة، وسط دعوات لتشديد القبضة الأمنية وتوسيع العمليات العسكرية جنوب القطاع وفي رفح.
في المقابل، لا صوت يُسمع من غزة سوى أزيز الطائرات ورائحة الجثث المتحللة.
وتقف العائلات المفجوعة أمام خرائط محطمة من الأمل، وتحيي الذكرى بما تبقى لها من صور وركام. لا يزورهم أحد، ولا تضيء شاشات العالم أسماءهم.
ويقول سكان محليون إنهم فقدوا القدرة حتى على الحزن، لأن الموت صار يوميا، والمشهد تجاوز حدود الفاجعة إلى منطقة من الصمت الجماعي.
ورغم بعض الهدن الإنسانية المحدودة، لم تُفض المفاوضات المتكررة إلى اتفاق دائم. فإسرائيل تشترط استعادة رهائنها قبل أي وقف لإطلاق النار، بينما تطالب الفصائل الفلسطينية برفع كامل للحصار وضمانات دولية لعدم تكرار العدوان.
أما الوسطاء، فقد بدوا في الأشهر الأخيرة أقل اندفاعا، مع انشغال العالم بأزمات أخرى، وغياب إرادة سياسية حقيقية لفرض حل عادل.
وتجد المؤسسات الدولية نفسها محاصرة بين الحاجة إلى الإغاثة الميدانية ومحدودية القدرة على الفعل. تقول الأونروا إنها مهددة بالإفلاس، بعدما جُمّدت المساعدات الأمريكية والأوروبية إثر ادعاءات إسرائيلية حول موظفين في الوكالة، لم تثبت صحتها حتى اليوم. وتتهم الأمم المتحدة بشكل متكرر بكونها “شاهدا غير فاعل” على مأساة موثقة بالأقمار الصناعية.
بالنسبة لكثير من الفلسطينيين، لا تمثل ذكرى السابع من أكتوبر مناسبة لإعادة فتح الجراح، بل محطة لتثبيت حقيقة واحدة: أن الحرب لم تبدأ بذلك اليوم، وأن الاحتلال العسكري الطويل، والحصار المفروض منذ 2007، والتمييز الهيكلي، كلها مقدمات يومية لطوفان لا يحتاج إلى ساعة الصفر.
تستمر الحرب، لكن الذاكرة لا تندثر. في غزة، لا توجد صرخات في الأفق، بل أسماء مكتوبة على الجدران، تحرس ما تبقى من المعنى وسط أنقاض العالم.

