يعكس القرار الملكي القاضي بعدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد لهذه السنة للمرة الرابعة في تاريخ المغرب مقاربة استشرافية في تدبير الشأن الديني والاجتماعي، في سياق أزمة اقتصادية ومناخية أثرت بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما مع تسجيل ندرة في أعداد الماشية المعروضة في السوق الوطنية.
ففي رسالة سامية تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أكد الملك محمد السادس، بصفته أمير المؤمنين، أن إقامة هذه الشعيرة في الظرفية الراهنة قد يلحق ضررًا محققًا بفئات واسعة من المجتمع، ما يستدعي تفعيل مبدأ التيسير ورفع الحرج، وفق مقاصد الشريعة الإسلامية.
ويواجه المغرب نقصًا حادًا في رؤوس الماشية، حيث تشير التقديرات إلى توفر مليون رأس فقط، في حين أن احتياجات السوق الوطنية تتراوح عادة بين خمسة وستة ملايين رأس لتغطية الطلب خلال عيد الأضحى.
ويعود هذا النقص إلى توالي سنوات الجفاف التي أثرت على المراعي، وارتفاع أسعار الأعلاف، ما أدى إلى تراجع أعداد القطيع بشكل غير مسبوق.
كما أن موجة نفوق الماشية بسبب ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة فاقمت الأزمة، ما جعل تأمين الأضاحي بالأسعار المعتادة أمرا صعبًا بالنسبة للفلاحين والمربين، الذين يواجهون صعوبات في إعادة تكوين القطيع في ظل هذه الظروف.
وفي محاولة لتخفيف الضغط على السوق الوطنية، لجأت الحكومة خلال السنتين الماضيتين، إلى استيراد رؤوس الأغنام من الخارج، خاصة من إسبانيا ورومانيا والبرازيل.
غير أن عمليات الاستيراد لم تحقق الأثر المرجو على أسعار الأضاحي، حيث بقيت مرتفعة مقارنة بقدرة المستهلك المغربي، بسبب تكاليف النقل والتخزين، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف على المستوى الدولي.
كما أن إقبال المستهلك المغربي على الأضاحي المستوردة ظل ضعيفًا نظرًا لاعتبارات مرتبطة بالعادات الاستهلاكية، حيث يفضل المغاربة السلالات المحلية التي تتلاءم مع تقاليد الذبح واستهلاك اللحوم خلال العيد.
وليست هذه المرة الأولى التي يصدر فيها قرار ملكي من هذا النوع، إذ سبق للمغرب أن شهد ثلاث حالات مماثلة، كان آخرها خلال تسعينات القرن الماضي، عندما مرت البلاد بأزمة جفاف حادة.
ويؤكد هذا القرار استمرارية نهج تدبيري يجعل من المصلحة الشرعية والاقتصادية والاجتماعية محددات أساسية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشعائر الدينية، حيث أعلن الملك محمد السادس أنه سيقوم بذبح الأضحية نيابة عن شعبه، اقتداءً بالسنة النبوية.
وقد لقي القرار الملكي تفاعلًا واسعًا في الأوساط الدينية والاقتصادية، حيث اعتبره مراقبون تأكيدًا على مقاربة متكاملة في تدبير الشأن الديني، تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتنسجم مع المبادئ الشرعية التي تجعل من الاستطاعة شرطًا لإقامة الشعائر.
كما يرى محللون أن القرار يعكس إدراكا عميقا للتحولات التي يشهدها المغرب، وحرصًا على ضمان التوازن بين مقتضيات الدين ومتطلبات الواقع.