أدى الزلزال العنيف، إلى جانب إيقاع عشرات الآلاف الضحايا والدمار الكبير، إلى خلط الأوراق السياسية في تركيا قبل 3 أشهر من موعد لانتخابات، التي قد لا تنعقد في موعدها. فهل تستغل المعارضة الوقت والغضب الشعبي للإطاحة بأردوغان؟
كان من المفترض أن تتفق المعارضة السياسية المنقسمة في تركيا الإثنين على مرشّح مشترك لتحدّي تحكم رجب طيب إردوغان في السلطة منذ عشرين عاماً، عبر صناديق الاقتراع.
ولكن كارثة الزلزال الذي أودى بأكثر من 35 ألف شخص في تركيا وسوريا، أدّت إلى تأجيل اجتماع كان مقرّراً في هذا الصدد، كما ألقت بظلال من الشك على موعد الانتخابات في ماي.
وفي هذا الإطار، تروّج مصادر الحزب الحاكم والمعارضة في شكل كثيف أنّ إردوغان سيؤجّل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 14 ماي، في أعقاب أسوأ كارثة شهدتها تركيا في العصر الحديث.
فرص ومخاطر
يقول بيرك إيسن الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة سابانجي في اسطنبول « هذا سيغيّر الأمور، ليس فقط بالنسبة الى الحكومة ولكن بالنسبة الى المعارضة أيضاً ».
كذلك، يرى الخبراء أنّ الزلزال وأيّ تأخير في التصويت، يمكن أن يكونا من العوامل التي تغيّر المشهد السياسي، والتي قد تتمثّل في فرص ومخاطر جديدة.
وبالتالي، بات لدى معارضي إردوغان مزيد من الوقت للتوصّل إلى إجماع بعد تأجيل اجتماع الإثنين إلى موعد غير محدّد، في ظلّ عدم تمكّنهم من الاتفاق على مرشّح منذ أكثر من عام.
ويرى المحلّلون أن عليهم استغلال الوقت بحكمة، في محاولة للاستفادة من الغضب العام في ضوء النطاق الهائل للدمار، من دون أن يبدو ذلك سعيا لتحقيق مكاسب سياسية من المأساة.
وفي هذا الإطار، يقول المستشار في المخاطر السياسية أنتوني سكينر، إنّ « الأحداث المرعبة منحت المعارضة السياسية ذخيرة جديدة ضدّ الحكومة – ذخيرة مدفوعة بالغضب الشعبي والنقمة ».
لم ينطق إردوغان بكلمة واحدة عن الانتخابات منذ الزلزال، ولكنّه يظهر على شاشات التلفزيون مراراً في اليوم، وهو يواسي الناجين ويعزّي الأمة.
لطالما اعتبر كمال كليتشدار أوغلو ، وهو موظف حكومي سابق يتمتّع بدعم وطني فاتر ويرأس الحزب العلماني الرئيسي في تركيا، المرشح الأوفر حظاً لمواجهة إردوغان.
ولكن ميرال أكشينار من حزب « الخير » القومي ترفض هذه الفكرة، ويبدو أنّها تدعم رئيس بلدية اسطنبول المعارِض الشعبي أكرم إمام أوغلو بدلاً منه.
يقول إيسن « كانت المعارضة في موقف حرج للغاية » مع انقسامات كثيرة.
ويضيف أن السيناريو الأكثر ترجيحاً أن يصبح كليتشدار أوغلو مرشّح المعارضة لأنّه « سيكون من الصعب جدّاً » على أحد آخر أن يقود حملة انتخابية على نطاق واسع في وقت الحداد الوطني.
كيف استجابت المعارضة للزلزال؟
يعتبر الخبراء أنّ الانتخابات في ماي باتت غير واردة، ولكن يمكن أن تتمّ في يونيو، الذي يعدّ آخر موعد لإجرائها وفق الدستور.
ولا يمكن لإردوغان تأجيل الانتخابات إلى موعد أبعد من ذلك، من دون تعديل الدستور. لذا، يحتاج غالبية الثلثَين في البرلمان، أي 400 صوت، علما بأنه يملك وحلفاؤه في اليمين المتطرّف 333 صوتاً، ما يعني أنه سيحتاج إلى المعارضة لدعم تأخير أطول.
من جهتها، تقول سينم أدار الزميلة في مركز الدراسات التركية التطبيقية في برلين، إنّ إحدى ركائز استراتيجية المعارضة يجب أن تكون ضمان إجراء الانتخابات بحلول شهر يونيو.
يأتي ذلك فيما تدفع أكشينار باتجاه إجراء الانتخابات في يونيو.
وفي هذا السياق، قالت للصحافيين الأسبوع الماضي « من واجبنا كسياسيين إجراء هذه الانتخابات ».
ولكن المعارضة كانت منقسمة أيضاً في استجابتها للزلزال. فقد اختارت أكشينار البقاء صامتة وتجنّب المناطق التي ضربها الزلزال في الأيام الأولى، بينما زار كليتشدار أوغلو المناطق المتضرّرة سعياً لمواساة الضحايا.
وهاجم إردوغان، متّهماً إياه بالفشل في جعل تركيا متأهبة للزلازل. كذلك، ظهر السبت مع الزعيم الموالي للأكراد في ديار بكر المتضرّرة من الزلزال، والتي تعدّ المحافظة الوحيدة التي لم تصوّت لتحالف إردوغان في انتخابات العام 2018.
من جهتهما، نشر رئيسا بلديتي اسطنبول وأنقرة المعارضان، صوراً لموظفي البلدية يساعدون في جهود الإنقاذ ورفع الأنقاض وتقديم الطعام الساخن للناجين. أما أكشينار، فقالت إنّها انتظرت 72 ساعة لتجنّب أن تكون عقبة أمام جهود الإنقاذ.
يقول أدار إنّ الزلزال قد يؤدّي إلى انقسامات حادة في صفوف المعارضة، ويتجلى ذلك في الخلافات على المرشّح والأدوار التي سيؤديها كلّ حزب.
ورغم أن إيسن يحذّر من التركيز كثيراً على ردود الفعل المختلفة بعد مرور أسبوع فقط، إلّا أنه يرى إنّها تُظهر انعدام تنسيق بين أطراف المعارضة.