يثير غياب التوثيق حول التراث الإسلامي لمدينة طنجة تساؤلات ملحّة حول مصير مرحلة تاريخية مفصلية في تاريخ المدينة، والتي تبدو اليوم على هامش الاهتمام البحثي والمؤسساتي.
ففي الوقت الذي تحظى فيه فترات مثل العهد الدولي أو التأثيرات الاستعمارية بدراسات واسعة، يظل الموروث الإسلامي لهذه المدينة، التي تعد من أقدم الحواضر الإسلامية في المغرب، غارقا في التجاهل والنسيان.
وخلال ندوة فكرية نظمتها مؤسسة طنجة الكبرى، في إطار النسخة الرابعة من “رمضانيات طنجة الكبرى”، سلط باحثون ومؤرخون الضوء على هذا الإشكال، محذرين من أن الذاكرة الإسلامية للمدينة تواجه خطر الاندثار بسبب غياب التوثيق، والتدمير المتكرر، وندرة المعالم العمرانية التي تعكس تلك الحقبة.
بالنسبة للمؤرخ مصطفى الغاشي، منسق الندوة، فإن هذه الفجوة تعود إلى طبيعة طنجة كمدينة ذات تاريخ مركب، ظل مرتبطًا أكثر بالسرديات الأسطورية والتأثيرات الأجنبية. ويرى أن ضعف الدراسات المتخصصة أسهم في طمس العديد من معالم الفترة الإسلامية، رغم أن المدينة كانت محطة رئيسية في الفتح الإسلامي نحو الأندلس، وتضم أقدم مسجد في المغرب.
وعلى المستوى العمراني، تبدو آثار الحقبة الإسلامية شبه غائبة مقارنة بمدن مثل فاس أو مراكش. ويرجع عبد العزيز الإدريسي، محافظ متحف الرباط، هذا الوضع إلى كون طنجة كانت دائما مدينة مفتوحة على النفوذ الخارجي، ما جعل هويتها المعمارية هجينة وغير مستقرة. كما يشير إلى أن عمليات التدمير المتكررة، سواء بفعل النزاعات أو الكوارث الطبيعية مثل زلزال لشبونة، أدت إلى اختفاء جزء كبير من الإرث الإسلامي للمدينة.
وقد زاد غياب التوثيق من تعقيد هذه الإشكالية، حيث يؤكد الباحث محسن الشداد أن جل الدراسات التي تناولت طنجة ركزت على فترتها الدولية، بينما ظلت الحقبة الإسلامية خارج دائرة البحث العميق. ويستشهد الشداد بوصف المؤرخ الأندلسي أبو عبيد الله البكري للمدينة، الذي اكتفى بالإشارة إلى “جامع عامر وسوق حسن”، ما يعكس محدودية المعطيات المتوفرة حتى في المصادر التاريخية.
في المقابل، يرى بعض الباحثين أن التراث الإسلامي لطنجة لا يقتصر فقط على المآثر العمرانية، بل يمتد إلى التراث اللامادي، من زوايا وتقاليد صوفية ومخطوطات دينية. سوسن يحيى، الخبيرة في علم الآثار، تؤكد أن المتحف المحلي يحتفظ ببعض القطع الأثرية المرتبطة بهذه الفترة، لكنها تشدد على أن الكثير من المعالم اندثرت بسبب غياب سياسات واضحة للحفاظ عليها، وجراء تأويلات تاريخية غربية اختزلت الدور الإسلامي للمدينة.
وأمام هذا الواقع، تتزايد الدعوات إلى إعادة الاعتبار لهذا الموروث، عبر مبادرات بحثية ومؤسساتية ترمي إلى توثيقه ورقمنته. حيث شدد عبد الواحد بولعيش، رئيس مؤسسة طنجة الكبرى، خلال مداخلته على ضرورة الاستفادة من الأدوات التكنولوجية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، في إعادة بناء وتصنيف هذا الإرث، محذرًا من أن استمرار الإهمال سيؤدي إلى فقدان معالم أساسية من هوية المدينة.
في ظل هذه التحديات، يظل مصير التراث الإسلامي لطنجة معلقًا بين ندرة الوثائق، وضعف التنقيب، وغياب رؤية واضحة للحفاظ عليه. وبينما تواصل المدينة استقطاب الاهتمام الدولي بفضل إرثها متعدد الثقافات، يظل السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت الجهود القادمة ستتمكن من إنقاذ هذا الفصل المنسي من تاريخها.