يتربع مشروع “كولوسوس” في عمق المنطقة الصناعية بجنوب ممفيس، تحت حراسة مشددة وسياج فولاذي، ليصبح أحد أكثر المواقع الحاسوبية تقدماً وسرية في العالم، بإشراف الملياردير إيلون ماسك.
ويبدو الموقع في الخارج كمجمع صناعي عادي، إلا أن خلف جدرانه المعدنية تمتد بنية تحتية ضخمة للحوسبة الفائقة، قادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعات غير مسبوقة. ويصف المطلعون المشروع بأنه العملاق الخفي الذي يعيد تعريف القوة الحاسوبية، حيث يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والحماية الأمنية المشددة، ليصبح قلباً رقمياً لا يمكن اختراقه بسهولة.
يأتي “كولوسوس” ضمن سلسلة مبادرات ماسك لتطوير الذكاء الاصطناعي والحوسبة المستقبلية، ويحتضن منشأة “كولوسوس 2” التابعة لشركة xAI، والتي تمثل القلب التشغيلي للعقل الاصطناعي “جروك”، أحد أكثر مشاريع الذكاء الاصطناعي طموحاً وسرّية في العالم.
ويضم المجمع أكثر من 500 ألف شريحة ذكاء اصطناعي عالية الأداء من طرازي NVIDIA H100 وGB200، تعمل بلا توقف في شبكة واحدة تُعدّ الأكبر من نوعها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي عالمياً. وقدرت تكلفة المرحلة الثانية من المشروع بأكثر من 18 مليار دولار لمكونات العتاد وحدها.
إلا أن المشروع لم يخلُ من تحديات بيئية واجتماعية، إذ أدت احتياجات الطاقة الهائلة، التي تصل إلى 150 ميغاواط، إلى ارتفاع فواتير الكهرباء وانقطاعات متكررة في المناطق المجاورة، بالإضافة إلى زيادة الضباب الدخاني. وتشير بيانات وكالة حماية البيئة الأمريكية إلى أن الأحياء المحيطة تقع ضمن أعلى 10٪ من المناطق المعرضة لمخاطر صحية مرتبطة بالتلوث الهوائي.
وتؤكد منظمات محلية أن المشروع تقدم دون تقييم بيئي أو استشارة عامة، ما جعل ممفيس تواجه ضغوطاً متزايدة بين دعم الابتكار التقني وحماية المجتمعات المحلية. ويشير محللون إلى أن هذا النمط يعكس نهج ماسك السابق في مشاريع تسلا وسبيس إكس، حيث تتقدم الرؤية الكبرى بسرعة مع تجاوز بعض القواعد، قبل موجة من التدقيق العام والمخاوف البيئية.
ورغم الانتقادات، يستمر مسؤولو المدينة في الالتزام بالصمت، فيما تُعد شركة xAI ثاني أكبر دافع ضرائب في المنطقة بعد فيديكس، لكن تأثير هذا “الذكاء الفائق” على صحة السكان ومستقبل البيئة يبقى غير محدد.

