انتخب مجمع الكرادلة، يوم الأربعاء، الكاردينال الأميركي روبرت فرانسيس بريفوست بابا جديدا للفاتيكان، خلفا للبابا فرنسيس، الذي توفي في 21 أبريل الماضي.
واعتمد البابا الجديد اسم “ليو الرابع عشر”، ليصبح أول أمريكي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية يتولى هذا المنصب الذي يعد الأعلى في هرم السلطة الروحية لدى أكثر من مليار و300 مليون مؤمن حول العالم.
وقد أعلن عن انتخابه رسميا بعد خروج الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة السيستين في تمام الساعة السادسة وسبع دقائق مساء، إيذانا بتوصل الكرادلة إلى توافق خلال الجولة الرابعة من الاقتراع، التي جرت خلف أبواب مغلقة داخل الفاتيكان.
وبعد لحظات من ذلك، أطل البابا الجديد من شرفة كاتدرائية القديس بطرس وسط هتافات عشرات الآلاف من الحجاج الذين توافدوا على الساحة منذ الصباح الباكر.
البابا ليو الرابع عشر اكد عقب انتخابه أن “الكنيسة ستظل وفية لرسالتها في زمن يعاني من التفكك والاغتراب. “
وبصوت هادئ، قال البابا “ليو الرابع عشر” في كلمته الأولى: “لنرفع صلاتنا من أجل الإنسانية، من أجل المصالحة، ومن أجل السلام”، مؤكدا أن الكنيسة ستظل وفية لرسالتها في زمن يعاني من التفكك والاغتراب.
ودعا إلى التمسك بالقيم الإنجيلية الأصيلة ومواصلة مسيرة الإصلاح والتجدد، في ما بدا إشارة إلى استمرار النهج الذي تبناه سلفه الراحل.
وينحدر البابا الجديد من مدينة شيكاغو بولاية إلينوي، حيث وُلد عام 1955، وهو عضو في رهبنة القديس أغسطينوس.
بعد سيامته الكهنوتية، أمضى سنوات طويلة في البيرو، حيث خدم كمبشّر وأسقف، وتميّز بدوره الفاعل في الدفاع عن حقوق الفقراء والسكان الأصليين، وبمواقفه الحاسمة تجاه الظلم الاجتماعي.
وفي سنة 2023، عُيّن رئيسا لدائرة الأساقفة في الكوريا الرومانية، قبل أن يرفعه البابا فرنسيس إلى مرتبة كاردينال في السنة نفسها، في خطوة فُهمت حينها على أنها إشارة إلى ثقته بقدرته على الاضطلاع بأدوار قيادية داخل المؤسسة البابوية.
ويُنظر إلى انتخاب “ليو الرابع عشر” على أنه تتويج لتطور تدريجي في بنية الكنيسة، التي أصبحت أكثر انفتاحا على مناطق العالم غير التقليدية في اختياراتها القيادية.
كما يرى مراقبون أن انتخاب بابا أميركي يعكس تحوّلات جيوسياسية داخل الكنيسة، خصوصا في ظل التراجع العددي لأتباع الكاثوليكية في أوروبا، مقابل استمرار نموها في الأميركيتين وأفريقيا.
وفيما شدد خطاب البابا الجديد على القيم الروحية، فإنه لم يغفل الإشارة إلى التحديات الكبرى التي تواجه الكنيسة، سواء في ما يتعلق بمكانتها الأخلاقية أو بدورها الاجتماعي والإنساني.
ومن المرتقب أن يُجري خلال الأسابيع المقبلة أولى تعييناته في الكوريا الرومانية، وسط ترقب واسع بشأن التوجهات التي ستحكم ولايته البابوية، لا سيما في الملفات المرتبطة بالإصلاح، العلاقة مع الكنائس الشرقية، والمواقف من القضايا العالمية مثل الهجرة، وتغير المناخ، والحوار بين الأديان.
يذكر أن وفاة البابا فرنسيس أثارت موجة تأمل عميقة داخل الأوساط الكاثوليكية، حيث اعتبره الكثيرون بابا التواضع والانفتاح، وقد ترك وراءه تركة إصلاحية قوية، ما جعل من عملية انتخاب خلفه لحظة محورية في رسم ملامح الكنيسة للسنوات القادمة.
ويفتح انتخاب روبرت بريفوست، البابا الأميركي الأول، بذلك فصلا جديدا في تاريخ المؤسسة الكنسية، ويحمل آمالاً وتطلعات متباينة داخل عالم كاثوليكي واسع الطيف، ينتظر من الحبر الأعظم قيادة تتسم بالحكمة، والجرأة، والاستمرارية.