في كل عام، ومع أولى قطرات المطر، تتجدد الآمال في انتعاش الفرشة المائية وإنقاذ القطاع الفلاحي.
ومع التساقطات المطرية الأخيرة، شهدت نسبة ملء السدود تحسنًا طفيفًا، حيث بلغت النسبة الإجمالية 28.65%، مسجلة ارتفاعًا بـ0.27% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي .
ومع ذلك، سرعان ما يتكرر الخطاب الرسمي: “شح المياه يهدد البلاد، والجفاف يستنزف الموارد.”
غير أن ما يحدث ليس جفافًا طبيعيًا بقدر ما هو “تجفيف” بفعل فاعل، حيث تُستنزف المياه في مساحات زراعية ضخمة موجهة للتصدير، بينما يعاني المواطن من ندرة المياه وارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية.
ففي موسم 2024/2025، من المتوقع أن تصل صادرات المغرب من الحمضيات إلى 597,000 طن، بزيادة قدرها 31% عن الموسم السابق .
هذه المنتجات، التي تتطلب كميات هائلة من المياه، تُباع في الأسواق الخارجية بأسعار تنافسية، بينما يعاني المواطن المغربي من ارتفاع أسعارها داخل بلاده.
وفي الوقت الذي يُطلب فيه من المواطنين ترشيد استهلاك المياه، يتم توجيه كميات ضخمة منها إلى زراعات مكثفة تستنزف المخزون المائي.
ويُقدَّر أن زراعة كيلوغرام واحد من الأفوكا تحتاج إلى 1000 لتر من الماء، بينما يحتاج كيلوغرام واحد من الطماطم إلى 180 لترًا. هذا يعني أن المغرب يصدّر فعليًا مئات الملايين من الأمتار المكعبة من المياه كل عام، لكن بشكل غير مباشر عبر هذه المنتجات.
المفارقة الأكبر أن أزمة المياه لا تقتصر على الاستنزاف الفلاحي، بل تتفاقم بفعل سياسات غير متوازنة، حيث يستفيد كبار المستثمرين من امتيازات حفر الآبار وبناء السدود الخاصة، بينما يجد الفلاحون الصغار أنفسهم في مواجهة العطش.
وفي مناطق مثل سوس، التي تعدّ إحدى أهم المناطق الفلاحية في البلاد، تراجع منسوب المياه الجوفية بمعدل 3 أمتار سنويًا بسبب الضغط الفلاحي. وبالرغم من التساقطات المهمة، فإن نسبة ملء السدود لا تزال دون المستوى المطلوب، مما يثير مخاوف جدية حول الوضع المائي في البلاد .
المشكلة لم تكن يومًا في قلة الأمطار، بل في سوء تدبير الموارد المائية. فالمياه التي تجود بها السماء لا تضيع بفعل الطبيعة، بل بفعل البشر، عبر سياسات تحوّلها إلى أداة لتحقيق الأرباح بدل أن تكون موردًا استراتيجيًا يخدم حاجات المواطنين والأمن الغذائي للبلاد.
وإذا استمر الوضع على هذا الحال، فلن يكون الصيف القادم فقط موسم ندرة المياه، بل موسم الندم على ما جفّفناه بأيدينا.