رفع مشروع ميزانية المغرب لعام 2026 النفقات إلى مستوى غير مسبوق، ليلامس نحو 760 مليار درهم، في خطوة تعكس اتساع الطموحات الاجتماعية للحكومة، لا سيما في قطاعات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
غير أن هذا الارتفاع القياسي يطرح تحديا جوهريا يتمثل في كيفية تمويل هذه الزيادة، خاصة مع استمرار الغموض حول “آليات التمويل المبتكرة” التي تعول عليها الحكومة.
وتشير المعطيات الرسمية إلى أن الحكومة تعتزم الاعتماد على هذه “الآليات المبتكرة” لتغطية الحاجيات التمويلية المتزايدة. وهو تعبير أصبح متداولا في الخطاب المالي الرسمي منذ عام 2019 دون أن تكشف الوثائق الحكومية عن تفاصيل دقيقة أو نطاق تطبيقه.
ويقوم جوهر هذه الآلية على تسييل الأصول العامة للدولة، من خلال البيع أو التأجير أو الشراكة مع القطاع الخاص، بهدف تعبئة سيولة سريعة ومرحلية لتمويل المشاريع العمومية والاجتماعية الكبرى.
ورغم أن هذه الصيغة مكنت الدولة من توفير متنفس مالي مرحلي خلال السنوات الماضية، فإن التوسع الملحوظ في الاعتماد عليها ضمن مشروع ميزانية 2026 أثار جدلاً متصاعداً بين الخبراء والمؤسسات المالية، ما يضع المشروع في منطقة رمادية بين الطموح الاجتماعي والواقع المالي.
وفي تحذير مباشر، انتقد بنك المغرب في تقريره الأخير إدراج العائدات الاستثنائية ضمن الموارد الجارية، مشددا على أن “تسييل الأصول العمومية لا يمكن أن يشكّل موردا دائما لتمويل النفقات الثابتة”.
وأكد البنك المركزي بذلك على المخاطر المترتبة على تحويل الأصول الرأسمالية إلى مصدر تمويل قصير الأجل لالتزامات ذات طابع طويل المدى ومستدام، مثل تمويل الأجور أو برامج الحماية الاجتماعية.
وعلى الرغم من أهمية هذه الآلية في سد الفجوات التمويلية، يظل الغموض قائماً ومؤرقاً بشأن حجم الموارد المنتظرة منها، ونوع الأصول التي سيتم تسييلها فعليا، والجدول الزمني لهذه العمليات.
ولا تتضمن الوثائق الحكومية أرقاما دقيقة أو تقديرا واضحا للعائدات المتوقعة، ما يفتح الباب أمام قراءات متضاربة حول قدرتها الحقيقية على استدامة تمويل الحاجيات المتزايدة للدولة.
وتراهن الحكومة على تنويع أدوات التمويل لضمان عدم المساس بالتوازنات الماكرو-اقتصادية الكبرى، لكنها تتجنب الإفصاح عن تفاصيل العمليات المرتقبة ومداها.
ويرى اقتصاديون أن هذا الغموض يهدد بوضع مشروع الميزانية في مأزق، خاصة وأن الأوراش الكبرى التي أطلقتها المملكة تتطلب وضوحاً أكبر في مصادر التمويل وخياراتها الاستراتيجية.
وفي المحصلة، وبين أرقام الإنفاق الاجتماعي المتصاعدة ومصادر التمويل غير المعلنة أو “الاستثنائية”، تبدو ميزانية 2026 اختبارا فعليا لقدرة الدولة على تحقيق التوازن الدقيق بين الاندفاع لتلبية المطالب الاجتماعية العاجلة والانضباط المالي الذي تفرضه قواعد الاستدامة، وسط أسئلة متراكمة تظل تنتظر إجابات رسمية حاسمة.

