لم يعد تراجع المغرب في مؤشر السعادة مجرد حدث عابر، بل صار حلقة متكررة تعكس أزمة أعمق مما تُظهره الأرقام.
احتل المغرب المرتبة 112 عالميًا في تقرير سنة 2025، متراجعا بخمس درجات عن العام الماضي، في استمرار لمنحى انحداري لا يبدو أن هناك إرادة حقيقية لوقفه. في بلد باتت الأزمات فيه مزمنة، لم يعد السؤال متى سيتحسن الوضع، بل إلى أي مدى قد يسوء أكثر؟
فحين يقيس التقرير مستويات السعادة، فهو لا يكتفي بتقييم مزاج الناس أو مدى رضاهم العابر عن حياتهم، بل يعتمد على مؤشرات ملموسة مثل مستوى العيش، جودة الخدمات الأساسية، الاستقرار الاقتصادي، ونسبة الثقة في المؤسسات. وبالعودة إلى هذه العوامل، يتضح أن المغرب يعاني من اختلالات عميقة تجعل الحديث عن “تحسن الأوضاع” مجرد شعار فارغ.
على المستوى الاقتصادي، يستمر ارتفاع البطالة، إذ بلغت نسبتها العامة 13.3%، بينما وصلت إلى 36.7% في صفوف الشباب. لكن البطالة ليست سوى وجه واحد للأزمة، فحتى الذين يملكون وظائف غالبا ما يجدون أنفسهم عاجزين عن مجاراة ارتفاع كلفة العيش، بسبب ضعف الأجور والتآكل المستمر للقدرة الشرائية.
وبينما تحقق بعض القطاعات أرباحا ضخمة، لا ينعكس ذلك على الأجور ولا على توزيع الثروة، في ظل اتساع الفجوة بين فئة تستفيد من الامتيازات الاقتصادية والغالبية العظمى التي تكافح من أجل تأمين الأساسيات.
الفقر بدوره ما زال يتفاقم رغم الخطابات الرسمية حول التنمية. فوفقا لآخر الأرقام، فإن حوالي 12.2% من المغاربة يعيشون تحت خط الفقر، مع معدلات أعلى في المناطق القروية، حيث تفتقر الساكنة إلى الخدمات الأساسية، ويظل التعليم والصحة مجرد شعارات أكثر من كونها حقوقًا مضمونة.
وفي المدن الكبرى، ورغم المظهر العصري لبعض الأحياء، فإن الفوارق الاجتماعية الصارخة تذكّر بأن الثروة في المغرب لا تتوزع بعدالة، بل تتركز في يد أقلية، بينما يعيش ملايين المغاربة في أوضاع هشة، يكفي أي أزمة جديدة –كما حدث مع الجائحة أو التضخم– لدفعهم إلى حافة الفقر.
وتظل الخدمات الصحية، التي يُفترض أن تكون ركيزة للرفاه الاجتماعي، إحدى أبرز نقاط ضعف المنظومة. المستشفيات العمومية تعاني من نقص حاد في الموارد البشرية والتجهيزات، بينما يظل الولوج إلى العلاج الجيد امتيازا لمن يستطيع تحمل تكاليف المصحات الخاصة. أما التعليم، الذي يُفترض أن يكون مفتاح المستقبل، فلم يعد سوى معضلة إضافية للأسر التي تجد نفسها مضطرة لاختيار التعليم الخصوصي، بحثا عن جودة لم يعد التعليم العمومي يوفرها.
أما مؤشر الثقة في المؤسسات، الذي يعد أحد العناصر الرئيسية في تقرير السعادة، فقد سجل انخفاضًا مقلقا، وهو أمر متوقع في ظل تراجع الشفافية، وتكريس اقتصاد الريع، واستمرار الفجوة بين الخطاب الرسمي وواقع المواطن. فعندما يفقد الناس الثقة في قدرتهم على التأثير في مستقبلهم، وعندما يشعرون بأن القرارات تُتخذ بعيدًا عنهم، فإن الشعور بالإحباط يصبح هو القاعدة.
إن تراجع المغرب في مؤشر السعادة ليس مجرد رقم، بل نتيجة حتمية لسياسات لم تجعل رفاهية المواطن أولوية. فليس غريبا أن نجد دولا تعيش اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية في مراتب أفضل من المغرب، لأن المشكلة لم تكن يوما في قلة الموارد، بل في طريقة توزيعها، وفي غياب رؤية تجعل الإنسان في صلب السياسات العمومية. وإذا لم يتم تغيير النهج القائم، فسيظل المغرب يتراجع عاما بعد آخر، ليس فقط في مؤشر السعادة، بل في كل ما يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش.