في زمن يشهد فيه العالم تحولات جيوسياسية كبرى، ويخطو فيه المغرب خطوات واثقة نحو ترسيخ موقعه كقوة إقليمية هادئة ولكن وازنة، يبدو أن الجارة الشرقية الجزائر قررت، عن سبق إصرار وترصّد، أن تلعب دور “الدولة التي لا تأبه لقطار التاريخ… وتنتظر حافلة الماضي”.
آخر حلقات هذا المسلسل الطويل، الذي لم يعد يثير لا الدهشة ولا الضحك بل مجرّد التنهيدة، كان استعراضاً بروتوكولياً بطعم الهروب الجماعي من الواقع: الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يستقبل، بكل وقار رئاسي، رئيس “جمهورية” لا توجد إلا في أدراج دبلوماسية الجزائر وصور مؤرشفة في مخيمات تندوف… رئيس اسمه الحركي “ابن بطوش”، لا يُرى إلا إذا أغمضت عينيك جيداً وتخيلت أنك في رواية من روايات الواقعية السحرية، لا في خريطة معترف بها في الأمم المتحدة.
المثير أن هذا “الرئيس”، وهو بالمناسبة متابع أوروبياً بتهم لا حصر لها تتراوح بين التزوير والاحتيال والعبور السري، بات يُستقبل كما يُستقبل زعماء الدول ذات السيادة، وعلى السجاد الأحمر أيضاً، كأن المرادية تحتفل كل عام بمهرجان دولي لأشباح الجمهوريات.
المشهد برمته كان ليبدو كوميدياً لولا أنه يُقدم كخبر جاد في وكالة الأنباء الجزائرية، التي لا ترى في الموضوع إلا “تعزيزاً للعلاقات الثنائية” بين “الدولتين الشقيقتين”… وكأننا أمام لقاء بين برلين وبرازيليا، وليس بين رئيس دولة و”رئيس” يعيش على تبرعات برنامج الأغذية العالمي.
في هذه الأثناء، يمضي المغرب في مساره دون ضجيج، دون “عنتريات صوتية”، لا يستورد رؤساء ولا يُهرّبهم بجوازات مزورة، ولا يحتاج إلى نفخ بالونات هوائية مكتوب عليها “جمهورية الرمال الكبرى”. المملكة، بكل بساطة، تعرف جيداً أنها تكسب في كل مرة تقرر فيها دولة فتح قنصلية بالعيون أو الداخلة، ولا ترى حاجة لتأليف نشرة طوارئ دبلوماسية عند كل اعتراف دولي جديد بمغربية الصحراء.
المفارقة المضحكة ـ المبكية أن الجزائر لا تكتفي بصناعة الوهم، بل تطالبه بأن ينجح. ترعاه، تحتضنه، تموّله، تعتني به أكثر من عنايتها بوضعها الاقتصادي أو بانشغالات مواطنيها، إلى درجة أن من يتابع المشهد قد يعتقد أن بقاء النظام نفسه معلّق على بقاء “ابن بطوش” على قيد الوهم.
بينما العالم يتجه نحو المستقبل، تبدو الجزائر منشغلة بتوزيع أدوار على ممثلين قدامى، في مسرحية لا جمهور لها… سوى الحنين إلى خطابات بومدين.
أما العنوان الذي يليق بهذه الملهاة السوداء، فهو دون شك:
“رئيس جمهورية الرمال… وبطوش الذي لم يستيقظ من الحلم بعد.”