اختارت الجزائر عدم التطرق إلى ملف الصحراء المغربية خلال لقاء وزير خارجيتها أحمد عطاف بنظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، في خطوة تعكس سعيها إلى إعادة ضبط العلاقات مع مدريد بعد أزمة دبلوماسية حادة استمرت أكثر من عامين.
وحسب مصادر دبلوماسية، فقد ركّز اللقاء، الذي جرى على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا، على التعاون الثنائي، خصوصًا في المجالين التجاري والأمني، وفق مصادر دبلوماسية.
وكانت الجزائر قد استدعت سفيرها في مدريد في مارس 2022 وعلّقت العمل بمعاهدة الصداقة والتعاون، احتجاجًا على دعم رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز لمقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره “الحل الأكثر جدية وواقعية” لتسوية النزاع حول الصحراء.
كما فرضت قيودا صارمة على التبادلات التجارية بين البلدين، ما أثّر بشكل كبير على العديد من القطاعات الاقتصادية الإسبانية، قبل أن تتراجع تدريجيًا عن هذه التدابير خلال الأشهر الأخيرة.
ورغم أن الجزائر كانت قد اشترطت، في بداية الأزمة، تراجع مدريد عن موقفها إزاء الصحراء لاستئناف العلاقات الطبيعية، إلا أن الحكومة الإسبانية واصلت التأكيد على دعمها لمقترح الحكم الذاتي، ما دفع الجزائر إلى تليين موقفها والبحث عن مخارج دبلوماسية لاستعادة التعاون مع شريك اقتصادي رئيسي في الاتحاد الأوروبي.
ويرى مراقبون أن الجزائر، التي تعيش عزلة متزايدة على الصعيد الإقليمي والدولي، لا تستطيع الإبقاء على أزمات مفتوحة مع عدة عواصم أوروبية في آنٍ واحد.
ومنذ أواخر 2023، بدأت الجزائر تخفّف من القيود المفروضة على المبادلات التجارية مع إسبانيا، وهو ما سمح بانتعاش نسبي للصادرات الإسبانية، رغم أنها لا تزال بعيدة عن مستوياتها السابقة.
كما استمرّ تدفق الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر خط “ميدغاز”، رغم إغلاق خط الأنابيب الذي كان يمر عبر المغرب في 2021 عقب قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرباط والجزائر.
في المقابل، لا توجد مؤشرات على أن إسبانيا ستتراجع عن موقفها إزاء الصحراء المغربية. فقد أكد وزير الخارجية الإسباني مرارا أن دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي المغربي يندرج ضمن رؤية استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار الاستقرار في المنطقة والمصالح الاقتصادية والسياسية لإسبانيا داخل الاتحاد الأوروبي.
وتعكس هذه التطورات تراجع قدرة الجزائر على فرض رؤيتها في النزاع الإقليمي حول الصحراء، خصوصًا في ظل تنامي الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي تبنّته الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وعدة دول عربية وإفريقية.
كما أن دينامية الاعترافات المتزايدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، من خلال فتح قنصليات لدول عدة في العيون والداخلة، أضعفت الموقف الجزائري، الذي بات يجد صعوبة في الحفاظ على زخم دبلوماسي لصالح أطروحته.
ويبدو أن الجزائر، التي دأبت على توظيف ملف الصحراء كأداة ضغط في سياستها الخارجية، تجد نفسها الآن مضطرة إلى تهميشه في تعاملها مع مدريد، في وقت يواصل فيه المغرب تحقيق مكاسب دبلوماسية تعزز موقفه داخل المنتظم الدولي.