بعد أكثر من قرنين من التزامها بسياسة الحياد العسكري، أعلنت السويد خطة واسعة النطاق لإعادة بناء قدراتها الدفاعية، في تحول وصفه مراقبون بأنه الأكبر منذ نهاية الحرب الباردة.
وتشمل الخطة إنفاق أكثر من 200 مليار يورو حتى عام 2030، ورفع عدد القوات المسلحة بنحو 40 ألف جندي، وتطوير الصناعات العسكرية والقدرات الفضائية.
ظلت السويد خارج التحالفات العسكرية الكبرى لعقود طويلة، متمسكة بتاريخ من الحياد يعود إلى ما بعد الحروب النابليونية. لكن تغيرات المشهد الجيوسياسي الأوروبي، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، دفعت ستوكهولم إلى مراجعة سياساتها الدفاعية والانضمام رسميا إلى حلف شمال الأطلسي في مارس 2024.
ويأتي هذا التحول بعد سلسلة من التوترات مع روسيا، خصوصا في بحر البلطيق، حيث لا يفصل السويد عن دول البلطيق إلا مسافة قصيرة. وتخشى ستوكهولم من استهدافها في إطار صراع أوسع بين الناتو وموسكو.
رغم صورتها كدولة حيادية، تتمتع السويد بتاريخ عسكري طويل، يمتد من غزوات الفايكينغ حتى الإمبراطورية السويدية في القرن السابع عشر. وخلال الحرب الباردة، حافظت على مجمع صناعي عسكري متقدم يشمل شركات مثل “ساب” و”بوفورس”، واحتفظت بعلاقات غير معلنة مع القوى الغربية.
وحتى بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن الحياد السويدي كاملا، إذ شاركت ستوكهولم في برامج شراكة مع الناتو، وأرسلت قوات إلى العراق وأفغانستان، وشاركت في تدريبات عسكرية مشتركة، منها مناورات “أورورا 17” للدفاع عن جزيرة غوتلاند في البلطيق.
تسعى الحكومة إلى رفع الإنفاق العسكري من 2.4٪ إلى 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. وتشمل الخطة توسيع حجم القوات المسلحة ليصل إلى 127 ألف فرد بحلول عام 2035، وتشكيل فوجَيْ مشاة جديدَيْن في المناطق الشمالية، وتطوير قدرات الدفاع الجوي والبحري والفضائي.
كما تعتزم السويد تعزيز دعمها لأوكرانيا، وشراء معدات عسكرية متطورة تشمل دبابات، طائرات مسيرة، ومدرعات، إلى جانب تطوير منظومات الاتصالات والتدريب العسكري.
في خطوة تعكس طموحا جديدا، تبنت السويد في عام 2024 أول إستراتيجية للدفاع الفضائي، تستهدف تعزيز قدراتها في مجال يشهد اهتماما متزايدا من القوى الكبرى. وتركز الإستراتيجية على ضمان حرية العمل في الفضاء، وبناء بنية تحتية مستقلة، والتعاون مع الحلفاء ضمن الناتو والاتحاد الأوروبي.
وقد أطلقت السويد أول قمر صناعي عسكري من قاعدة أميركية في كاليفورنيا في أغسطس 2024، وتدرس حاليا تجهيز مقاتلاتها من طراز “غريبن” بقدرات لإطلاق أقمار صناعية صغيرة.
ويعد مركز “إسرانج” الفضائي، التابع لشركة الفضاء السويدية، نقطة انطلاق رئيسية لهذه الطموحات، مع تصاعد التهديدات من أعمال التشويش الروسية وتزايد استخدام تقنيات مثل “ستارلينك” في النزاعات الحديثة.
مع تصاعد التهديدات الهجينة، خصصت الحكومة السويدية موارد إضافية لتعزيز الأمن السيبراني، ومنحت وكالة الطوارئ المدنية ووكالة الدفاع النفسي صلاحيات جديدة لمنع الهجمات على البنية التحتية الحيوية والفضاء الإعلامي. كما تم رصد مبالغ لدعم أنظمة المراقبة وخفر السواحل وتطوير التعاون مع الناتو في مجال الملاحة بالأقمار الصناعية.
ويأتي هذا التطور وسط تصاعد المخاوف الأوروبية من أنشطة روسية في بحر البلطيق والمنطقة القطبية الشمالية، ما دفع السويد إلى إعادة تقييم إستراتيجيتها الأمنية بشكل كامل.
ترى ستوكهولم أن انضمامها إلى الناتو وتحديث ترسانتها الدفاعية يمثلان عودة لدور أكثر فاعلية في الأمن الأوروبي. ومن المرجح أن تُعزز هذه الخطوات من موقع السويد داخل التحالف، خاصة في ظل مساهمتها في الأمن الجماعي وتطور صناعتها الدفاعية التي باتت تلعب دورا مهما في توازنات القارة.
وبينما تتحرك دول أوروبية أخرى نحو رفع إنفاقها الدفاعي، تبدو السويد مصممة على استعادة دورها كقوة إقليمية لا يُستهان بها، مدفوعة بتاريخها العسكري القديم وواقع التحديات الجديدة.