لم يشكل قرار شركة Xlinks البريطانية سحب مشروعها المتعلق بإنجاز ربط كهربائي بحري مع المغرب نهاية يونيو الماضي سوى محطة عرضية في مسار التحول الطاقي الذي اختارته المملكة منذ أزيد من عقد ونصف، وهو مسار ما يزال يحظى بثقة المستثمرين الدوليين والفاعلين المؤسساتيين في قطاعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الاخضر والربط الاقليمي.
ولم يكن المشروع، الذي كان يهدف إلى إنشاء محطات شمسية وريحية بمنطقة كلميم واد نون، وربطها عبر كابل بحري طوله يقارب أربعة آلاف كيلومتر بالسواحل الجنوبية لانجلترا، موضوع اتفاق مالي او تقني نهائي مع الحكومة المغربية، بل ظل في طور التصور والتفاوض.
ووفق المعطيات الرسمية، فإن المغرب لم يلتزم بأي مساهمة تمويلية او تعاقدية في هذا المشروع، وهو ما يجعل تداعيات القرار البريطاني محدودة من الناحية المالية والمؤسساتية.
وتفيد وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، في وثائقها المرجعية، ان الاستراتيجية الوطنية للطاقة، التي تم اطلاقها سنة 2009، تستند إلى مبدأ التنوع والتكامل، مع هدف بلوغ 52 في المئة من القدرة الكهربائية المنشأة من مصادر متجددة بحلول سنة 2030.
وقد بلغت هذه النسبة 41.3 في المئة نهاية سنة 2023، وفقا لما ورد في تقرير الظرفية الطاقية للوزارة.
وبينما كانت Xlinks تراهن على تسويق الكهرباء المغربية إلى السوق البريطانية، فإن الرباط تواصل تفعيل شراكات مهيكلة مع الاتحاد الاوروبي، ولا سيما مع اسبانيا، التي تربطها بالمغرب شبكة كهربائية مزدوجة بطاقة اجمالية تبلغ 1400 ميغاواط، ويجري التهييء لتوسعتها باضافة خط ثالث.
كما تعمل السلطات المغربية على تطوير خط ربط كهربائي جديد مع موريتانيا في اتجاه غرب افريقيا، ضمن منظور تكاملي يربط بين التعاون الاقليمي والسيادة الطاقية.
وعلى صعيد اخر، يعد المغرب من بين اوائل الدول الافريقية التي وضعت خارطة طريق لتطوير اقتصاد الهيدروجين الاخضر، حيث اطلقت اللجنة الوطنية للهيدروجين منذ سنة 2021 سلسلة من الاجراءات المؤسساتية لتأهيل المنظومة الوطنية وتمكين البلاد من موقع تنافسي في هذا المجال الناشئ.
وقد اكد تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الصادر في يوليوز 2023، ان المغرب يتوفر على مؤهلات كبيرة تؤهله ليصبح فاعلا محوريا في سوق الهيدروجين الاخضر في حوض البحر الابيض المتوسط وغرب افريقيا.
وفي الوقت الذي تتجه فيه دول عديدة نحو تعزيز اكتفائها الذاتي من الطاقة، لا يزال المغرب ينظر اليه من طرف عدد من الشركاء الاوروبيين كمصدر بديل وموثوق للكهرباء الخضراء، سواء عبر مشاريع الربط او من خلال سلاسل الانتاج الصناعي المرتبطة بالانتقال الطاقي.
وقد سبق للمفوضية الاوروبية ان صنفت المغرب ضمن الدول الشريكة ذات الاولوية في خريطة الهيدروجين الاخضر الصادرة في اطار استراتيجية RePowerEU.
وتؤكد المعطيات الصادرة عن الوكالة المغربية للطاقة المستدامة ان المملكة تستعد لاطلاق جيل جديد من المشاريع الكبرى في الطاقات الشمسية والريحية، من بينها مشروع “نور اتلانتيك” الذي سيمكن من اضافة قدرات انتاجية جديدة بالجنوب المغربي، مع تحفيز الاستثمارات الموجهة للتخزين الكهربائي والتقنيات النظيفة.
وبالرغم من الجدل الاعلامي الذي صاحب انسحاب Xlinks، فإن الارقام تشير إلى ان الطلب العالمي المتزايد على الطاقة النظيفة يتيح للمغرب هوامش مناورة واسعة.
فوفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، يحتاج العالم إلى مضاعفة استثماراته في الطاقات المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030 لتحقيق اهداف الحياد الكربوني، مما يفتح افاقا واسعة امام الدول التي تتوفر على موارد طبيعية مستقرة واطار تنظيمي محفز.
وفي هذا السياق، يظل المغرب ضمن قائمة الوجهات الواعدة، بفضل توفره على اكثر من 3000 ساعة مشمسة سنويا، ومناطق ذات سرعة رياح تنافسية، وبنيات تحتية قيد التحديث، فضلا عن موقعه الجغرافي المحوري بين افريقيا واوروبا.
وبينما تنسحب Xlinks بسبب تغير اولويات الحكومة البريطانية، يواصل المغرب تعزيز موقعه بهدوء، مدعوما برؤية استراتيجية متماسكة تستند إلى الواقعية التكنولوجية والانفتاح المنضبط على الشراكات الدولية ذات القيمة المضافة.