من المملكة المتحدة إلى أستراليا، مرورا بهولندا وإيطاليا، باتت الهجمات السيبرانية تشكل تحديا يوميا في عالم رقمي متسارع.
ففي ظل الانتشار الواسع للإنترنت، والاستخدام المكثف للحوسبة السحابية، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي، تتزايد المخاطر وتنكشف هشاشة قطاعات ذات أهمية استراتيجية كبرى في بعض الأحيان.
ولا تكف مراكز البحث العالمية عن دق ناقوس الخطر. فقد حذر مركز “أوكسفورد أناليتكا” البريطاني، في تقرير حديث، من تزايد وتيرة الهجمات السيبرانية خلال سنة 2025، مشيرا إلى أن مشهد الأمن السيبراني خلال هذه السنة سيشهد بروز أنواع جديدة من التهديدات، تستهدف بشكل خاص القطاع المالي.
ورغم استمرار التهديدات المعروفة، إلا أن تحديات جديدة بدأت تلوح في الأفق، من أبرزها ارتفاع وتيرة سرقة البيانات، واستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لأغراض التضليل. وهو ما يفرض تحديا كبيرا، تعمل الهيئات التنظيمية جاهدة على مواجهته من خلال سن قواعد جديدة للأمن السيبراني في بيئة تتغير باستمرار.
وفي هذا السياق المتقلب، حيث يسعى القراصنة دوما إلى الحفاظ على تفوقهم، معتمدين أساسا على ضعف اليقظة البشرية، تبدو صناديق التقاعد هدفا مفضلا. فالبيانات الشخصية التي تمتلكها هذه المؤسسات، من حيث الكم والنوع، تشكل مصدر جذب كبير للقراصنة، وهناك العديد من الأمثلة التي تعكس هذه الظاهرة.
ففي المملكة المتحدة، سجلت لجنة السياسات التنظيمية، وهي هيئة مستقلة لمراقبة التشريعات، ما لا يقل عن 246 هجوما سيبرانيا استهدف صناديق التقاعد خلال سنة 2023 فقط.
كما كشف تقرير جديد نشرته الحكومة البريطانية في أبريل الماضي أن الهجمات السيبرانية تظل “تهديدا مستمرا”، حيث صرحت 43 في المائة من الشركات البريطانية بأنها تعرضت لهجوم سيبراني خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة. وأفادت نتائج دراسة “اختراقات الأمن السيبراني لسنة 2025” بأن هذه النسبة ترتفع إلى 74 في المائة في صفوف الشركات الكبرى.
أما في أستراليا، فقد تعرضت عدة صناديق تقاعد كبرى، من بينها “أستراليان ريتايرمنت تراست”، و”أستراليانسوبر”، و”هوست بلس”، و”سوبرانويشن”، و”إينسيغنيا فايننشال”، لهجمات سيبرانية منسقة. وتمكن المهاجمون من الوصول إلى آلاف عناوين البريد الإلكتروني وكلمات المرور الخاصة بالأعضاء، ي عتقد أنها ج معت من شبكة “الدارك ويب”. وكانت الأضرار جسيمة.
ويشير خبراء الأمن السيبراني إلى أن القراصنة استغلوا ثغرات، أبرزها إعادة استخدام كلمات مرور شائعة. كما يسلط آخرون الضوء على ضعف أنظمة الحماية لدى بعض المؤسسات المستهدفة، وعلى وجه الخصوص غياب آليات التوثيق متعدد العوامل في صناديق التقاعد. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن استخدام هذا النوع من التوثيق من شأنه تعزيز حماية بيانات الأعضاء.
في هذا السياق، شدد الخبير في مجال صمود الشركات أمام المخاطر، آدم سترينغر، على أن صناديق التقاعد ت عد من بين الأهداف المفضلة للقراصنة والمجرمين الماليين، غير أن تعزيز قدرتها على مواجهة الهجمات السيبرانية لا يزال ممكنا.
وأشار إلى أن من أبرز التهديدات التي تواجه هذه المؤسسات هي “التصيد الاحتيالي”، داعيا إلى تبني مقاربة شاملة تجاه المخاطر السيبرانية. وتتمثل هذه المقاربة، حسب قوله، في التقييم المستمر لمستوى الصمود، وتحمل المسؤولية، وتوعية العاملين والأعضاء بالمخاطر وسبل التصدي لها، فضلا عن الاستعداد للسيناريوهات الأسوأ من خلال إعداد خطط للاستجابة للحوادث وتجريبها بانتظام.
وخلص الخبير إلى أن الرسالة الأهم في مواجهة الهجمات السيبرانية هي التحلي باليقظة وتفادي الهلع، مشددا على أن اتباع نهج سليم يمكن أن يقلل من المخاطر بشكل كبير وبتكلفة معقولة.
(MAP)