في عمل يخلط بين الوثيقة العائلية والبحث التاريخي، يسبر المصور والصحافي الإسباني ألفريدو كاليز أغوار الذاكرة الإسبانية حول التدخل العسكري في شمال المغرب، من خلال كتابه الجديد “صورة الكارثة” (Fotografía del desastre)، الصادر عن دار “أفريك إيديشنس”.
ويرتكز العمل على واقعة مروية داخل الأسرة مفادها أن جد المؤلف، الجندي خوان دي ديوس، أنقذ الجنرال فرانكو خلال إحدى المعارك التي دارت في شمال المملكة، وهو ما يدفع كاليز إلى التحقيق في تلك القصة العائلية، عبر تتبع أرشيف الحرب ومواقعها، بهدف فهم السياق السياسي والعسكري الذي نشأت فيه تلك الذاكرة.
ويتناول المؤلف الحقبة الممتدة من ملحمة أنوال في يوليو 1921، والتي شهدت هزيمة مدوية للجيش الإسباني أمام المقاومة المغربية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، إلى عملية الإنزال العسكري في خليج الحسيمة عام 1925. ويعيد تركيب مشاهد من تلك الفترة من خلال صور شخصية، ومذكرات، ووثائق محفوظة ضمن أرشيف العائلة.
غير أن الكتاب، الذي يصف معركة أنوال بـ”الكارثة”، يعكس رؤية تظل محكومة بالتصور الإسباني للحرب، دون التوقف عند السياق الوطني للتحرر الذي طبع تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب.
ويغيب في العمل أي صوت مغربي أو إحالة إلى المصادر المحلية، فيما يحضر الجندي الإسباني كمحور سردي وحيد، يُروى من خلاله تاريخ منطقة كانت آنذاك تحت الاحتلال، ما يجعل من الكتاب استعادة أحادية الاتجاه لذاكرة مشتركة، لا تزال في حاجة إلى قراءات متقاطعة.
ويقدم كاليز مشاهد من مشاركة جده في الحملة العسكرية التي جمعت بين الجيشين الإسباني والفرنسي لإخضاع شمال المغرب، دون أن يتوقف عند الانتهاكات التي وُثّقت آنذاك، أو آثار تلك الحرب على السكان المدنيين.
ويظل التركيز منصبا على أثر تلك التجربة في تشكيل هوية العائلة، خاصة في علاقتها بالجنرال فرانكو الذي سيقود لاحقا انقلابا عسكريا ويؤسس لنظام استبدادي.
ورغم أن العمل لا ينخرط صراحة في تمجيد الدور الاستعماري، إلا أن الإطار الذي يتحرك فيه لا يخرج عن إعادة إنتاج سردية الحنين العسكري، حيث تُروى الحرب من موقع الجنود، لا من موقع المغاربة الذين دافعوا عن أرضهم.
في المقابل، يشكل الكتاب، وفق عدد من المهتمين بالذاكرة الاستعمارية، محاولة نادرة في الأدب الإسباني لاستكشاف علاقة الأفراد بالماضي العسكري لإسبانيا خارج ترابها الوطني، وهو ما قد يفتح المجال أمام أعمال مغربية موازية، تُعيد تقديم نفس المرحلة من زاوية الارتباط الوطني والدفاع عن السيادة.
وفي سياق تتصاعد فيه دعوات مراجعة الإرث الكولونيالي في أوروبا، يبرز كتاب “صورة الكارثة” كتجربة شخصية، لكنها مشروطة بأفقها الثقافي الإسباني، الذي لا يزال يتردد في توصيف التدخل العسكري بشمال المغرب كمظهر من مظاهر الاستعمار.
ويطرح العمل، من دون إعلان صريح، أسئلة حول معنى استعادة بطولات شخصية في سياق تاريخي مُحمّل بعنف سياسي وميداني. فبينما يسعى كاليز إلى فهم علاقته بجده، يجد نفسه في مواجهة إرث استعماري لا يمكن تجاهله، حتى حين يُروى من داخل الأسرة.
يبقى “صورة الكارثة” محاولة لإعادة النظر في فصول منسية من التاريخ الإسباني، لكنه في الآن ذاته يسلط الضوء على الحاجة الملحة لسرديات متوازنة، تُعيد الاعتبار للمغاربة الذين واجهوا الاستعمار، وتمنحهم مكانتهم داخل الذاكرة المتوسطية المشتركة.