بعد سنوات من السعي الحثيث لبلوغ رئاسة مجلس الأمن الدولي، وجدت الجزائر نفسها في موقف دبلوماسي حرج خلال شهر يناير 2025، عندما اصطدمت بقواعد المنظومة الأممية التي تتعارض مع أهدافها السياسية.
وشكل الطلب الذي تقدمت به “حكومة القبايل في المنفى” لإدراج قضية تقرير مصير القبايل ضمن أجندة مجلس الأمن، لحظة اختبار حقيقية للنظام الجزائري الذي طالما رفع شعار الدفاع عن تقرير المصير في الصحراء المغربية، لكنه سقط في تناقض واضح عندما تعلق الأمر بالقبايل.
ووفقاً للقوانين المنظمة لعمل مجلس الأمن، لا يملك الرئيس الدوري صلاحية انتقاء أو رفض القضايا المطروحة، ما أجبر الجزائر على تسجيل الطلب.
وكشف هذا التطور محدودية المناورة الدبلوماسية الجزائرية، خاصة بعدما فشلت محاولاتها التنسيق مع روسيا لإجهاض الطلب. الموقف الروسي، الذي أكد خضوع القضية للمساطر القانونية فقط، عرى خطاب الجزائر حول “التضامن مع الشعوب المضطهدة”، وجعلها في مواجهة معايير أممية لا تخضع لمزاجية السياسات الداخلية.
وأثار التعاطي الجزائري مع هذا الملف انتقادات واسعة حول كفاءة إدارة دبلوماسيتها لهذا المنصب الحساس.
واظهرت مراجعة السفير الجزائري عمار بن جامع للقيادة السياسية في قصر المرادية عدم استيعاب لطبيعة الدور الإداري للرئاسة الدورية، الذي يخضع لرقابة صارمة من الدول الدائمة العضوية.
وسلطت هذه الواقعة الضوء على الهوة بين الطموحات السياسية الجزائرية والواقع العملي الذي تفرضه القواعد الدولية.
وفي هذا السياق، برزت معطيات إضافية تعقد المشهد الإقليمي، حيث أعلنت الولايات المتحدة تعيين جوزيف شوا سفيراً لها في الجزائر، وهو دبلوماسي معروف بمواقفه الداعمة للرؤية المغربية في قضية الصحراء.
ويحمل هذا التعيين دلالات على تعزيز حضور المغرب في مراكز القرار الدولية، بينما تجد الجزائر نفسها في مواجهة متزايدة مع شركائها التقليديين بسبب مواقفها المتصلبة.
ويعكس الإحراج الدبلوماسي الذي واجهته الجزائر خلال رئاستها لمجلس الأمن إخفاقاً أوسع في استثمار هذا المنصب لتعزيز مكانتها الدولية.
وبدلاً من ذلك، تحولت اللحظة إلى فرصة للمجتمع الدولي لتسليط الضوء على تناقضاتها، في الوقت الذي يواصل فيه المغرب ترسيخ مواقفه السيادية عبر استراتيجية دبلوماسية تتسم بالواقعية والاتساق مع القوانين الدولية.