على أعتاب مدينة طنجة، تلك التي لا تهدأ عن احتضان لحظات التميز، أُضيئت الأضواء مساء العاشر من يناير 2025 لتتوجه نحو رجل لم يكن يومًا في قلب المشهد من أجل التصفيق، بل من أجل البناء.
عبد العزيز البوجدايني، الاسم الذي أصبح علامة تميز ونجاح على مستوى الالتزام والابتكار، يقف شامخًا على منصة التكريم في حفل توزيع “جائزة بيت الصحافة”، كتجسيد حي لمسار لم تنطفئ جذوة عطائه على مدى أربعة عقود من الزمان.
مسيرة البوجدايني ليست مجرد صفحات مهنية متتالية، بل هي قصة رجل أدرك منذ بداياته الأولى أن الإعلام والثقافة ليسا مجرد أدوات للتواصل أو الترفيه، بل قوة مؤثرة قادرة على تشكيل الوعي الجماعي وبناء مجتمعات أكثر تقدمًا.
لقد كان ظهوره الأول في المشهد الإعلامي امتدادًا لطموح شاب رأى في هذا القطاع وسيلة للتغيير، حيث انطلق بخطوات واثقة داخل وزارة الاتصال. ومع مرور السنوات، أثبت نفسه كركيزة أساسية، قادرة على مواجهة التحديات وتجاوز التقلبات السياسية التي رافقت تغيّر الحكومات.
منذ أن تم تعيينه كاتبا عاما لقطاع التواصل في وزارة الشباب والثقافة والتواصل، استثمر البوجدايني خبراته الطويلة ليُطلق رؤى استراتيجية نقلت القطاع إلى مستوى جديد من المهنية والابتكار.
ولم يتوقف شغفه بالتطوير عند حدود الإدارة؛ فقد انخرط بعمق في إعادة هيكلة القطاع ليصبح أكثر كفاءة وقدرة على الاستجابة للتحولات الرقمية والعصر الجديد للإعلام.
أفق البوجدايني لم يقف عند هذا الحد؛ بل تمازج مساره المهني بخبرة السنين والمهام ليتجاوزا الحدود، فقد تزامن توليه الإدارة بالنيابة للمركز السينمائي المغربي مع انطلاق مرحلة جديدة في صناعة السينما المغربية.
لقد أدرك البوجدايني مبكرًا أن السينما ليست فقط أداة للترفيه، بل نافذة يمكن أن تنقل صورة المغرب الحضارية للعالم.
وتحت اشرافه، أصبح المركز السينمائي المغربي منصة لدعم المبدعين، وإطلاق مشاريع طموحة تهدف إلى تعزيز الإنتاج السينمائي الوطني وجعله قادرًا على المنافسة عالميًا.
وشهد المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، الذي يُعتبر من أبرز المواعيد السينمائية في المغرب، نقلة نوعية في دوراته الأخيرة بفضل بصمة البوجدايني التنظيمية والإدارية، حيث استطاع أن يخلق توازنًا بين الحفاظ على هوية المهرجان وتطوير محتواه ليتماشى مع معايير الجودة العالمية.
وقد انعكس نجاحه في هذا المجال في المهرجانات العالمية، حيث تم تصنيفه ضمن الشخصيات العمومية الـ12 الأكثر تأثيرًا في السينما العربية خلال مهرجان كان السينمائي الدولي.
ورغم إنجازاته الكبيرة، يبقى عبد العزيز البوجدايني مثالاً للتواضع والعمل الدؤوب. فلم يكن رجل الأضواء، بل كان دائمًا في الكواليس، يعمل بصمت ويترك الإنجازات تتحدث عنه.
هذا التواضع جعله قريبًا من العاملين في القطاع، الذين وجدوا فيه قائدًا قادرًا على الاستماع لمشاكلهم والعمل على حلها بروح الشراكة والمسؤولية.
ولم تكن علاقته بالإعلام والثقافة مجرد وظيفة، بل شغفًا يؤمن بأنه يمكن أن يغير واقع الشعوب. كان يرى أن الإعلام القوي يجب أن يستند إلى قيم المصداقية، وأن السينما الناجحة هي التي تعكس قصص المجتمع بصدق وعمق. رؤية جعلته يُحدث فرقًا كبيرًا في مسار المؤسسات التي قادها، حيث ساهم في تعزيز الشفافية واعتماد استراتيجيات مبتكرة لدعم الإنتاجات الوطنية.
لقد كان حفل تكريمه الأخير في طنجة بمثابة لحظة استثنائية تختزل مسيرة طويلة من العطاء. فوسط حضور نخبة من المثقفين والإعلاميين، كان التكريم شهادة على حجم التأثير الذي خلفه في الإعلام والسينما المغربية.
من الصديق معنينو، عميد الصحافة المغربية، إلى عبد الصمد بن شريف، مرورًا بفاطمة الزهراء الورياغلي وفيليب بولون، جميعهم شهدوا على شخصية جعلت من العمل الميداني نموذجًا يحتذى به.
عبد العزيز البوجدايني ليس مجرد إداري ناجح أو شخصية مرموقة في المشهد الثقافي. إنه نموذج للرجل الذي يجمع بين الرؤية والطموح، وبين الحكمة والواقعية. إنجازاته ليست فقط انعكاسًا لخبرته الطويلة، بل لدافع داخلي يجعله دائم السعي نحو الأفضل. وبينما تنطفئ أضواء حفل التكريم، يبقى أثره ممتدًا في كل مشروع أطلقه، وكل مبادرة دعمها، ليظل اسمه محفورًا في ذاكرة الثقافة والإعلام المغربي.
هكذا، يبقى عبد العزيز البوجدايني شاهدًا حيًا على أن القيادة ليست منصبًا، بل مسؤولية؛ وأن النجاح الحقيقي لا يقاس بالإنجازات الفردية فقط، بل بقدرتك على خلق أثر دائم يتجاوزك ليصل إلى الأجيال القادمة.