عندما يُذكر اسم محمد مهدي بنسعيد، يتناثر في الأفق إشعاع طموح شاب، ينساب في أروقة السياسة والثقافة والشباب بروح مبتكرة ونظرة شاملة لا تعرف الحدود.
هو ذلك الاسم الذي بدأ رحلته في عام 1984 من قلب العاصمة الرباط، ليخط لنفسه مسارًا مميزًا بين عوالم العلم والسياسة، ثم ليصبح أحد أبرز القادة الشباب الذين أضاءوا المشهد المغربي في العقدين الأخيرين.
منذ شبابه، كان محمد مهدي بنسعيد شغوفًا بالمعرفة، مدفوعًا بإحساس قوي بالمسؤولية تجاه وطنه وأمته. في فرنسا، حيث اختار استكمال دراسته، صقل بنسعيد أدواته الأكاديمية، فتخرج في معهد الدراسات السياسية بتولوز، وتعمق في دراسة العلاقات الدولية والشؤون الأفريقية، ليُفتح أمامه باب التأثير على الصعيدين المحلي والدولي.
وكانت سنواته في باريس بمثابة صقل لشخصيته السياسية، حيث تشبعت روحه بالمعرفة وحب العمل الميداني، ليعود إلى المغرب محملاً ليس فقط بالعلم، بل برؤية تتجاوز التقليدي إلى سعي مستمر نحو التغيير.
وفي عام 2011، وفي خضم التغيرات السياسية التي كانت تشهدها المملكة، قرر بنسعيد أن يكون له دور بارز في صياغة المستقبل. فدخل البرلمان كممثل عن حزب الأصالة والمعاصرة، ليصبح في فترة وجيزة أحد أبرز الأوجه الشابة في السياسة المغربية.
وفي خطوة فريدة، شغل منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية، ليصبح أصغر نائب برلماني يتولى هذا المنصب في تاريخ المغرب، وهو ما يعكس تمتع هذا الشاب بحنكة سياسية مبكرة وحنكة في التعامل مع القضايا العالمية والمحلية على حد سواء.
لكنَّ مسار بنسعيد السياسي لم يكن محصورًا بين جدران البرلمان فحسب، بل كان لديه حلم أكبر: أن يكون له بصمة ثقافية توازي تأثيره السياسي. فأسس رابطة الشباب الديمقراطيين المغاربة، وكان وراء دخول المغرب موسوعة جينيس للأرقام القياسية، بعدما نظم حدثًا غير مسبوق في الداخلة، حيث تم بسط أكبر علم في العالم.
ولم تكن هذه المبادرة مجرد رقماً قياسيًا، بل كانت إشارة إلى روح الفخر الوطني التي لا تقتصر على كلمات، بل تتحقق من خلال أفعالٍ ملموسة وقادرة على أن تضع المغرب في واجهة العالم.
وفي عام 2021، جاء التكليف الملكي ليضعه في مكانٍ جديد، فكان تعيينه وزيرًا للشباب والثقافة والتواصل خطوة تأكيدية على ثقته في قدراته على قيادة القطاع في مرحلة مفصلية.
بنسعيد لم يكن مجرد وزير، بل كان صوتًا يجسد رغبة الشباب في التعبير عن أنفسهم في كل المجالات، ويبعث في الثقافة المغربية روحًا جديدة قادرة على التفاعل مع العصر دون أن تفقد جوهرها التقليدي.
إنه محمد مهدي بنسعيد، الشاب الذي لم يكتفِ بالجلوس على هامش الأحداث، بل اختار أن يكون في قلبها. طريقه لم يكن مفروشًا بالورود، لكن عزيمته وإصراره كانت أشبه بشمسٍ تشرق دائمًا على أفقٍ جديد.