في تطور غير مسبوق على مستوى الهجرة الموسمية المنظمة، تم الإعلان في إقليم هويلفا جنوب إسبانيا عن تأسيس أول تمثيلية نقابية مخصصة للعاملات المغربيات الموسميات في الضيعات الفلاحية، بدعم من مجموعة “عمال هويلفا في النضال” والنقابة الأندلسية للعمال
وتأتي المبادرة التي توصف بأنها “اختراق رمزي ومؤسسي” في وقت يتواصل فيه تدفق العاملات من المغرب إلى حقول الفراولة، حيث بلغ عددهن نحو 15 ألفا خلال موسم أبريل الجاري، وفق معطيات رسمية.
ويُنتظر أن يُشكل هذا الإطار النقابي الجديد نقطة تحول في علاقة الشغل داخل الضيعات الفلاحية الإسبانية، التي تعتمد منذ أكثر من عقدين على اليد العاملة النسائية المغربية ضمن اتفاقيات موسمية تنظمها السلطات في كلا البلدين.
ويهدف هذا التنظيم إلى تمكين العاملات من أدوات الترافع، والتبليغ عن أي تجاوزات أو خروقات قد تطال العقود أو ظروف العمل، وهي جوانب لطالما أثارت جدلا واسعا في أوساط منظمات حقوقية ومدنية محلية ودولية.
وحتى الآن، ظلت العاملات المغربيات غائبات عن أي شكل من أشكال التنظيم النقابي، رغم الدور المحوري الذي يلعبنه في دورات الإنتاج الفلاحي، خصوصا خلال موسم جني الفراولة الذي يمتد من يناير إلى يونيو. وتشتغل هؤلاء النساء في ظروف شاقة داخل الحقول المفتوحة، وسط تحديات مرتبطة بالإقامة، والتغطية الصحية، والسكن، فضلاً عن الحواجز اللغوية والثقافية التي تُقيد قدرتهن على التبليغ أو طلب الإنصاف.
ولا تقتصر التمثيلية النقابية الجديدة على الجانب الرمزي، بل تهدف إلى خلق امتداد ميداني داخل الضيعات، وتطوير آليات للتكوين والتأطير، مع رصد أي انتهاكات قد تمس بحقوق العاملات.
ويقول المنظمون إنهم يسعون إلى تجاوز الصيغة التقليدية لعقود الشغل الموسمية، التي تُدار غالبا بشكل ثنائي مغلق بين الدولتين، دون إشراك مباشر للعاملات أو تمكينهن من التعبير عن أوضاعهن بطريقة جماعية.
ورغم أن السلطات الإسبانية لم تُبدِ اعتراضا رسميا على هذا التنظيم، إلا أن مراقبين يتوقعون أن يثير المشروع النقابي نقاشا أوسع حول شروط الاستقدام، وآليات المراقبة، وطبيعة العلاقة بين المشغّلين والعاملات. كما أنه قد يُعيد طرح أسئلة قديمة تتعلق بمدى نجاعة النموذج المعتمد في تنظيم الهجرة الموسمية، الذي لطالما قُدّم بوصفه نموذجاً “ناجحاً” للهجرة الدائرية.
وكان وزير الإدماج الاقتصادي المغربي، يونس السكوري، قد أشار مؤخرا إلى أن التعاون المغربي الإسباني في هذا المجال يشهد تحسينات، من بينها تمديد صلاحية تصاريح الإقامة إلى أربع سنوات بدل تجديدها سنويا، وهي خطوة اعتُبرت ضرورية لضمان استقرار العلاقة التعاقدية وتقليص الإجراءات الإدارية المتكررة.
غير أن فاعلين مدنيين يعتبرون أن الجوانب الإدارية تظل غير كافية ما لم تُرفق بمنظومة إنصاف وتمثيل نقابي يحمي العاملات من الهشاشة.
ويُتوقع أن ينعكس تأسيس النقابة الوليدة على بنية التفاوض داخل الضيعات، خاصة إذا نجحت في استقطاب أعداد متزايدة من العاملات وتثبيت حضورها داخل الحقول التي كانت إلى وقت قريب فضاءات مغلقة على التنظيمات المهنية. كما أن نجاح التجربة قد يدفع منظمات أخرى إلى تكرار النموذج في مناطق فلاحية إسبانية أخرى تعتمد على الهجرة الموسمية.
ومع انطلاق هذا المسار، تُطرح تحديات تتعلق بمدى قدرة الإطار الجديد على ضمان الاستمرارية، خصوصاً في ظل الطابع الموسمي لعقود الشغل، وتعاقب الأفواج، ووجود نسبة كبيرة من العاملات لأول مرة بإسبانيا. كما أن حاجز اللغة والوقت القصير المتاح قبل انتهاء الموسم قد يُقيدان إمكانيات التكوين والتعبئة في المرحلة الأولى.
غير أن مجرّد ولادة هذه التجربة يُعد مؤشراً على تحول في الوعي الجماعي داخل هذه الفئة التي لطالما حُصرت في موقع التنفيذ الصامت. ومع تزايد حضورها العددي، يبدو أن العاملات المغربيات بدأن في مراكمة شروط الفاعلية، والتنقل من موقع العمل الصرف إلى موقع التأثير والتنظيم داخل منظومة لم تكن دائماً منصفة أو متوازنة.
ويبقى أن تحدد الأسابيع المقبلة ما إذا كانت هذه الدينامية الجديدة ستُحدث أثراً فعلياً على الأرض، أم ستُواجَه بمقاومة صامتة من المشغّلين، أو ببيروقراطية لا تمنح للتنظيم النقابي الموسمي ما يكفي من الحيز. لكن الأكيد، بحسب مراقبين، أن زمن الصمت بدأ في التآكل، وأن صوت العاملات في حقول الفراولة الإسبانية لم يعد قابلاً للتجاهل.