بحلول الذكرى السادسة والثلاثين لإعلان الاتحاد المغاربي، الذي تأسس في مثل هذا اليوم، 17 فبراير 1989، يتجدد الحديث عن مشروع وُلد بأمل تحقيق تكامل اقتصادي وسياسي بين دول المنطقة، لكنه سرعان ما تحول إلى هيكل فارغ بسبب العراقيل التي وضعها النظام الجزائري أمام أي محاولة لتفعيله.
وبينما كانت الشعوب المغاربية تنتظر أن يصبح الاتحاد رافعة للتنمية والاستقرار، تحول إلى رهينة للمواقف العدائية للجزائر تجاه المغرب، ما جعله أحد أكثر التكتلات الإقليمية شللاً على المستوى العالمي.
وبعد تأسيس الاتحاد في قمة انعقدت بمدينة مراكش تحت رئاسة الملك الراحل الحسن الثاني، التأمت قمة وحيدة في تونس عام 1994، لكنها لم تكن سوى محاولة يائسة لإنقاذ المشروع من الجمود، قبل أن تجهضها الجزائر بمواقفها المتصلبة، خصوصًا بعد رفضها الانخراط في أي مقاربة واقعية لحل الخلافات الثنائية مع المغرب.
ومنذ ذلك الحين، لم تشهد المنطقة أي قمة مغاربية، رغم أن الرباط قدمت أكثر من عشر مبادرات لإعادة تفعيل الاتحاد، لكن الجزائر قابلتها بالتعنت، مجمدةً مؤسساته بالكامل.
وبدلًا من التركيز على المشاريع الاقتصادية المشتركة، جعلت الجزائر من نزاع الصحراء المغربية حجر عثرة أمام أي تعاون، حيث واصلت تقديم أكثر من 500 مليون دولار سنويًا لدعم مرتزقة البوليساريو، في وقت يعاني اقتصادها من أزمات حادة.
التكلفة الاقتصادية لهذا الجمود باهظة. فوفقًا للبنك الدولي، فإن غياب التكامل بين دول الاتحاد يكلفها بين 10 و12 مليار دولار سنويًا، وهو رقم يعكس حجم الخسائر التي تتكبدها المنطقة بسبب الحسابات السياسية الضيقة للجزائر.
كما أن التجارة البينية بين دول الاتحاد لا تتجاوز 4.8% من إجمالي تجارتها الخارجية، وهو مستوى متدنٍ مقارنةً بتجمعات إقليمية أخرى، حيث تصل النسبة إلى 65% في الاتحاد الأوروبي و25% في رابطة آسيان.
وفي ظل إغلاق الحدود المغربية الجزائرية منذ 1994، تخسر الدولتان سنويًا نحو 2 مليار دولار من الفرص الاقتصادية الضائعة، وهو وضع لم يتغير رغم الدعوات المغربية المتكررة لإعادة فتحها.
في المقابل، اختار المغرب تجاوز هذا الجمود عبر تعزيز شراكاته الخارجية، حيث انضم إلى اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECA)، ورفع حجم استثماراته في القارة إلى أكثر من 5 مليارات دولار خلال العقد الأخير.
كما أطلقت المملكة، مشاريع استراتيجية كبرى، أبرزها خط أنابيب الغاز مع نيجيريا، الذي سيعبر 13 دولة إفريقية ويوفر بديلاً استراتيجيًا للطاقة في المنطقة.
في المقابل، تعيش الجزائر حالة من العزلة، حيث انخفض احتياطيها من النقد الأجنبي من 190 مليار دولار في 2014 إلى أقل من 60 مليار دولار في 2024، بسبب سوء التدبير الاقتصادي وانشغال النظام بصراعاته الخارجية بدل التركيز على التنمية الداخلية.
وبعد 36 عامًا على إنشاء الاتحاد، أصبح واضحًا أن النظام الجزائري هو العقبة الكبرى أمام الوحدة المغاربية.
فبينما يواصل المغرب نهجه في تعزيز التعاون الإقليمي، تصر الجزائر على سياسة التصعيد، متجاهلة أن مستقبل المنطقة لا يمكن أن يظل رهينة لمواقفها المتصلبة.
وبينما يحقق المغرب تقدمًا في تعزيز موقعه كقوة اقتصادية إفريقية، تواصل الجزائر سياستها العدائية، ما يجعل الوحدة المغاربية حلمًا مؤجلًا بسبب شوكة مسمومة غرستها في خاصرتها منذ عقود.