أعاد سؤال برلماني وجهته المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، بشأن ما وصفه بانتشار فضاءات تحت أرضية تُستغل لإقامة كنائس في مدينة الدار البيضاء، الجدل حول موضوع الحرية الدينية في المغرب، والإطار المؤسساتي الذي يؤطرها، على ضوء المقتضيات الدستورية وممارسات الدولة في تدبير التعدد الديني داخل المجتمع.
واثار البرلماني عبد الصمد حيكر في سؤاله الموجه إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزير الداخلية، قلقا مما اعتبره غياب معطيات واضحة حول مدى قانونية هذه الفضاءات المستعملة لأغراض دينية،
وطرح حيكر، تساؤلات حول ما إذا كانت الجهات القائمة عليها قد حصلت على تراخيص، مشيرا إلى ما يمكن أن تثيره مثل هذه الممارسات من تساؤلات لدى المواطنين بشأن ما سماه “الأمن الروحي”.
النقاش الذي فتحته هذه الإحالة البرلمانية يندرج في سياق يراكم فيه المغرب تجربة خاصة في تنظيم الحقل الديني، تستند إلى مرجعية إمارة المؤمنين باعتبارها ضامنا لوحدة المذهب والعقيدة، وفي الآن ذاته، تُسند إلى الدولة مسؤولية ضمان الحقوق والحريات، كما هو منصوص عليه في الفصل الثالث من دستور المملكة، الذي ينص على أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”.
ويشكل هذا التوازن بين المرجعية الإسلامية للمؤسسات، وضمان ممارسة الشعائر الدينية في إطار القانون، خصوصية مغربية في تدبير المسألة الدينية، تُراعي الثوابت الوطنية وتستوعب في نفس الوقت التعدد الذي يفرضه الواقع المجتمعي والهجرة والتغيرات الثقافية. إذ تُمارس مختلف الطوائف المعترف بها أنشطتها الدينية داخل فضاءات رسمية ومهيكلة، بما في ذلك الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية في عدد من المدن، وتخضع هذه الفضاءات لتدبير إداري وقانوني مضبوط، يراعي في تنظيمه مقتضيات النظام العام، دون إخلال بحقوق الأفراد في الاعتقاد أو العبادة.
وفي هذا الإطار، تتعامل الدولة المغربية مع الحرية الدينية باعتبارها شأنا مؤسساتيا منظما، لا مجال فيه للمزايدات أو التأويلات غير المؤسسة، خاصة حين يتعلق الأمر بممارسات غير موثقة يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إذ تبقى السلطات المختصة، على المستويين الترابي والمركزي، هي الجهة المخولة للتتبع والتقويم والتدخل عند الاقتضاء، وفق ما يتيحه القانون.
وتُشير المعطيات المتوفرة إلى أن المغرب لا يتساهل مع أي استغلال للفضاءات العمومية أو الخاصة خارج الضوابط القانونية، سواء تعلّق الأمر بأنشطة دينية أو غير دينية.
كما أن تنظيم أماكن العبادة، أيا كانت مرجعيتها، يخضع لإجراءات ترخيص واضحة، تتم عبر مساطر إدارية دقيقة، تضمن سلامة الممارسة واحترام النظام العام.
وفي الحالات التي تستدعي تدخلا أو تقويماً، يتم ذلك ضمن قنوات مؤسساتية، بما يُجنّب إثارة الهواجس أو التهويل الإعلامي غير المؤطر.
وفي سياق يتّسم بتنامي حساسية قضايا الهوية والدين في عدد من المجتمعات، تنحو المقاربة المغربية نحو تحقيق توازن هادئ بين احترام خصوصية الأفراد، وضمان تماسك المجتمع.
هذا التوازن ليس وليد ظرفية سياسية أو ضغط خارجي، بل نابع من تطور دستوري ومؤسساتي اختار فيه المغرب، منذ مراجعة 2011، أن يقرن الحرية بالمسؤولية، وأن يجعل من التدرج في بناء الحقوق مساراً قائماً على الواقعية السياسية والاجتماعية.
وتشير الممارسة المؤسساتية إلى أن الدولة المغربية، عبر أجهزتها التنظيمية والأمنية، تتابع عن كثب أي تحولات أو ظواهر جديدة تمس الحقل الديني، وتتعامل معها باستباق واحتراز، دون الحاجة إلى إثارة مخاوف لا تستند إلى معطيات دقيقة.
كما أن مفهوم “الأمن الروحي”، الذي تتداوله بعض الخطابات، يجد سنده الواقعي في تدخلات الدولة لحماية المرجعية الدينية المشتركة وضمان حرية التدين، ضمن الحدود التي رسمها الدستور والقانون.
ومن هذا المنطلق، يظل تدبير الحريات الدينية في المغرب خاضعا لأجندة وطنية واضحة، تقوم على احترام الثوابت، وحماية حقوق الأقليات، وعدم ترك المجال لأي فراغ أو توجس.
وتبقى السلطة التنظيمية في هذا المجال اختصاصا سياديا تمارسه الدولة بكامل الوعي بموازين التماسك الاجتماعي والتعدد الثقافي، دون تفريط في حقوق المواطنين أو في مرجعيات المجتمع.
ويبدو أن النقاش العمومي المرتبط بهذه القضية، رغم ما قد يثيره من حساسية، يؤكد مرة أخرى الحاجة إلى استحضار الإطار الدستوري في كل تناول لملف الحريات، والاحتكام إلى المؤسسات، باعتبارها الضامنة الوحيدة لأي ممارسة قائمة على القانون، لا على الانطباع أو التقدير الذاتي.