وطن 24
في الوقت الذي تُظهر فيه الأجندة الجزائرية تقهقرها على الساحة الإفريقية وتتخبط داخلياً بأزمات متلاحقة، انبرى الرئيس عبد المجيد تبون إلى الإعلان عن مشروع لربط دول الساحل غير الساحلية بالموانئ الجزائرية عبر السكك الحديدية.
وجاء إعلان تبون خلال افتتاح المعرض الإفريقي للتجارة بين الدول الذي تحتضنه العاصمة الجزائرية.
ووصف تبون المبادرة بأنها “ممر سريع” يسمح بعبور البضائع من مالي والنيجر وبوركينا فاسو نحو المتوسط في ظرف أربع وعشرين ساعة.
لكنه لم يحدد موعد انطلاق الأشغال، ولا حجم الاستثمارات، ولا الشركاء المحتملين.
وأعاد غياب هذه المعطيات إلى الأذهان مبادرات سابقة بقيت في حدود الخطاب، بحيث لم تجد مشاريع مماثلة طرحتها الجزائر في مجالات النقل الإقليمي طريقها إلى التنفيذ، بسبب ضعف البنية التحتية وتراجع الموارد المالية وتعقيدات الوضع الأمني في الجنوب.
السياق الدبلوماسي بدوره لا يخدم المقترح. فلم تُصدر مالي ولا النيجر ولا بوركينا فاسو أي بيانات رسمية تؤيد المشروع الجزائري.
بل إن هذه الدول سحبت سفراءها من الجزائر في أبريل الماضي عقب حادث إسقاط طائرة بدون طيار مالتية قرب الحدود، ما أدى إلى أزمة مفتوحة. في ظل هذا الوضع، بدا إعلان تبون خطوة أحادية الجانب تفتقر إلى أي سند خارجي.
وتمثل إقامة خط حديدي عابر للصحراء مهمة ضخمة، إذ تشير تقديرات عامة إلى مليارات الدولارات المطلوبة للتمويل، فضلاً عن الحاجة إلى دعم دولي واستقرار سياسي غير متوفر في المنطقة.
غير أن هذه المعطيات لم تجد مكانها في الخطاب الرسمي، ما ترك المشروع في خانة الأفكار غير المؤطرة.
الإعلان لم يلق أي رد فعل إيجابي من العواصم المعنية، في وقت تبحث فيه عن حلول عاجلة لتجاوز عزلتها الجغرافية.
ويعزز عدم صدور تأييد رسمي من هذه الدول الانطباع بأن المشروع لم يتجاوز حدود المنبر السياسي الذي أُعلن منه.
ورغم تقديمه بعبارات كبيرة، فإن المشروع يواجه نفس المعضلات التي رافقت إعلانات جزائرية سابقة: غياب الشركاء، نقص التمويل، وضع أمني متقلب.
وتجعل هذه العناصر تحويل الخطاب إلى واقع عملية شديدة التعقيد، إن لم تكن مستحيلة في الظروف الراهنة.
وفي المحصلة، جاء الإعلان في الجزائر العاصمة كمبادرة جديدة بلا مقومات واضحة. وبينما تترقب دول الساحل منافذ عملية للتجارة الدولية، ظل المقترح الجزائري محصوراً في الكلمات، بعيداً عن أي التزام ملموس يمكن أن يضعه على سكة التنفيذ.
