عاد النظام الجزائري إلى مهاجمة المغرب من بوابة التراث، في فصل جديد من فصول العداء الذي لا يقتصر على الملفات السياسية والامنية، بل امتد إلى مكونات ثقافية مشتركة تعود إلى قرون سبقت تشكل الكيان الجزائري الحالي بقرون طويلة.
ودفع النظام العسكري بمسؤوله المكلف بقطاع الاتصال، محمد مزيان، الذي زعم أن المغرب يسعى إلى الاستحواذ على طبق الكسكس، معتبرا ذلك سطوا على التراث اللامادي الجزائري.
وادعى المتحدث باسم نظام العسكر، خلال جلسة بالبرلمان، أن المغرب استغل فترة “العشرية السوداء” للترويج لملكية الطبق في المحافل الدولية، في اشارة إلى مرحلة التسعينيات التي شهدت فيها الجزائر نزاعا داخليا داميا، وهي الفترة التي تجلت فيها واحدة من ابرز صور هشاشة الدولة الجزائرية ككيان لم يتجاوز حينها بضعة عقود من الوجود الرسمي.
غير أن هذه المزاعم تتعارض مع الوقائع الموثقة، خصوصا أن الكسكس تم تسجيله ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للبشرية سنة 2019 من طرف منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بناء على ملف جماعي قدمته اربع دول مغاربية هي المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا.
وقد ادرجت اليونسكو الطبق التقليدي باعتباره عنصرا مشتركا من الممارسات الغذائية المرتبطة بالزراعة، واحدى ركائز التقاليد الاحتفالية والمعارف الاجتماعية المتوارثة في شمال افريقيا، مشيرة إلى أن الملف يعكس مثالا للتعاون الثقافي بين الدول.
وتظهر الوثائق المنشورة في موقع المنظمة الاممية أن تحضير الكسكس وادوات طهيه ومناسبات تقديمه هي عناصر متشابهة في دول المنطقة، ما ينفي أي صفة حصرية لهذا الموروث، ويؤكد طابعه المشترك في الثقافة المغاربية.
وتشير المعطيات المتوفرة في مصادر تاريخية متنوعة، إلى أن حضور الكسكس في شمال افريقيا موثق منذ العصور الوسطى، في كتابات مؤرخين وجغرافيين عرب واوروبيين، دون ان يتم ربطه بأي كيان سياسي بعينه.
كما تظهر هذه المصادر ان طرق تحضيره وادوات طهيه تختلف محليا، لكنها تتقاطع في السمات الاساسية بين مختلف جهات المغرب الكبير، من الاطلس والصحراء إلى الهضاب العليا والمناطق الساحلية.
ويضع الخطاب الجزائري المتكرر حول عناصر تراثية مثل الكسكس والقفطان والزليج، هذه المكونات الثقافية المشتركة في واجهة سجال سياسي، يعكس توجها رسميا يوظف التراث في سياق تعبئة وطنية داخلية، بينما تتكرر فيه الاشارات السلبية إلى المغرب بشكل لافت.