ترى الهند أن تصدير الكفاءات البشرية إلى الخارج يشكّل استراتيجية مدروسة لتعزيز نفوذها العالمي، في وقت يحقق فيه المواطنون الهنود نجاحات بارزة في ميادين السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا حول العالم.
وفي تقرير نشرته صحيفة “فزغلياد” الروسية، أشار الباحث السياسي جيفورج ميرزايان إلى أن الجاليات الهندية باتت قوة مؤثرة في الغرب، مستفيدة من شبكة اجتماعية متماسكة، وقدرات تعليمية متقدمة، واستعداد ثقافي للتأقلم مع البيئات الجديدة.
وتبرز هذه التأثيرات في الولايات المتحدة، حيث يتولى عدد من الهنود مناصب رفيعة في شركات كبرى، مثل ساندر بيتشاي في غوغل، وساتيا ناديلا في مايكروسوفت، وآرفيند كريشنا في آي بي إم، ولينا ناير في شانيل.
كما يشير التقرير إلى تنامي الحضور السياسي للهنديين الأميركيين، من بينهم نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس، والسياسي الشاب زهران ممداني الذي يُتوقع ترشحه لمنصب عمدة نيويورك.
ويقدّر عدد الجالية الهندية بين 25 و30 مليون شخص، يمتلكون ثروات مجتمعة تفوق تريليون دولار، أي نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي للهند.
وفي الولايات المتحدة، يشكّل الهنود 1.5% من السكان، لكنهم يمثلون 5% من دافعي الضرائب و10% من الأطباء، بحسب أرقام عام 2024.
كما أن 11% من مؤسسي الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها مليار دولار هم من أصول هندية، مع نسبة تعليم جامعي تبلغ 78%، وهي من بين الأعلى في البلاد.
ووفق ديباك مهرا، الملحق العسكري الهندي السابق في موسكو، فإن هذه الإنجازات تعود إلى طبيعة المجتمع الهندي المتعددة الثقافات واللغات، مما يعزّز قابلية الاندماج في المجتمعات المضيفة. كما أن استخدام اللغة الإنجليزية كلغة تعليم رئيسية يسهّل انتقالهم إلى أسواق العمل الغربية.
يواجه سوق العمل الهندي صعوبات في استيعاب الأعداد الهائلة من الشباب، إذ لا تستوعب الجامعات سوى 20 مليون طالب سنويا، من أصل نحو 100 مليون شاب في الفئة العمرية 20-25 عاما.
ويُتوقع أن تصل نسبة السكان بين 15 و45 عاما إلى 65% من إجمالي عدد سكان الهند بحلول 2030، ما يدفع نيودلهي إلى اعتماد الهجرة كأداة لإدارة هذا الضغط الديموغرافي.
ويقول أليكسي كوبريانوف، مدير مركز دراسات المحيط الهندي في موسكو، إن 90% من خريجي الهندسة والتكنولوجيا الحيوية في الهند يهاجرون إلى الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن النخب الهندية تحافظ على تماسك داخلي حتى بعد الاندماج المؤسسي في المجتمعات المضيفة، مع احتفاظها بالبنية الطبقية والتقسيمات الإقليمية التقليدية.
تعتمد الحكومة الهندية سياسة “الهجرة مع العودة”، والتي تسعى إلى الاستفادة من الخبرات والأموال التي يجلبها المهاجرون العائدون.
لهذا الغرض، أُنشئت تصنيفات قانونية مثل “مواطن مقيم في الخارج” و”شخص من أصل هندي”، لتسهيل الروابط القانونية والمالية مع الشتات.
ورغم أن غالبية تحويلات الأموال تأتي من العمالة في الخليج، إلا أن السلطات الهندية تركّز على استثمار الجاليات المتعلمة في الغرب ضمن خطة طويلة الأمد لتعزيز النمو الوطني والابتكار المحلي.